جمال عبد الناصر يكتب: بألف جنيه.. والخطر القادم من التكنولوجيا

شاهدت العرض المسرحي "بألف جنيه" من تأليف وإخراج الفنان ماير مجدي علي خشبة مسرح الحياة، "فرنسيسكان مصر"، والذي كان في الماضي محطة لانطلاق أولى الفرق المسرحية الإيطالية بمصر وهو مسرح عريق، والآن يمثل مساحة حرة لجميع الفرق المستقلة لتقدم فنها وإبداعاتها، والمسرح في وسط البلد بمنطقة بولاق أبو العلا بوكالة البلح بالشارع الفرنساوي، أمام محطة مترو ماسبيرو، وبجواره كنيسة سيدة الكرمل، وقصدت أن أذكر هذه التفاصيل عن المسرح لكونه في منطقة عريقة وسكانها متعطشين للمسرح وللفن وهذا ما لمسته في التفاعل مع العرض الذي سوف اتحدث عنه.وقبل تحليل عناصر العرض لابد من التأكيد علي أنه ينتمي لنوع من أنواع الكوميديا وهي الكوميديا السوداء التي تستخدم السخرية والفكاهة للتعامل مع القضايا الحياتية وما يهم الناس، وعرض "بألف جنيه" الذي شاهدته فكرته نعيشها جميعًا حاليًا في ظل تعاملنا مع التكنولوجيا، وبالتحديد تكنولوجيا التطبيقات، والريبوتات والشات جي بي تي، وغيرها من التطورات التي تظهر كل يوم، وأصبحنا نتعامل معها، فالخيال الذي كنا نشاهده في السينما الأمريكية في افلامها تحول لحقائق وأصبح جسم الانسان ومشاعره وأحاسيسه مجال للتجربة وللتغير وللتبديل بمشاعر أخري وأحاسيس مختلفة، وهذه هذه هي الفكرة الأساسية في المسرحية التي قدمها ماير مجدي مؤلفًا ومخرجًا، ورسم من خلالها شخصياته وصنع حبكته الدرامية وصراع الشخصيات بعضها ببعض ما بين الخير والشر، فالعرض يضع المشاهد أمام نفسه بشكل كوميدي ساخر لنري العبث الذي تحدثه التكنولوجيا بنا حينما نستخدمها خطأ، فالشاب الذي يحاول البحث عن ذاته لا يصل لذاته بل يتوه، ويصيبه خلل، وهكذا تستمر المسرحية في طرح أفكار تخص علاقة البشر بالتكنولوجيا ومدي تأثيرها السلبي عليهم أو فلنقل استخدامها الخاطئ، فالعرض يقدم لنا ضحايا التكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي.
مسرحية بألف جنيه على مسرح الحياة تأليف وإخراج ماير مجدي
العرض قدمه مجموعة من الشباب الواعد والمواهب المبشرة، وجميعهم يتمتعون بخفة ظل وحب للمسرح ظهر جليا علي الخشبة، فسهر ناصر قدمت دور ميري، وقدم شخصيات الريبوتات: دينا بدر الدين، محمد شعبان، أحمد الطيب، وقدمت دور السكرتيرة ريم نجم الدين وقدم شخصية "يوسف" إسلام السيد الشاب وهو الضحية الذي حاول مقاومة إغراءات التكنولوجيا ورفضه التحول لآلة واحتفاظه بما ميزه به الله من كونه بشر وإنسان يحمل مشاعر طبيعية غير مصطنعة.
مخرج العمل الذي هو أيضًا مؤلفه استطاع تقديم عرض مسرحي برؤية بسيطة وديكورات معبرة بتكلفة إنتاجية قليلة لاعتماده أكثر علي العنصر البشري في نقل الحالة للمشاهدين، وكانت الحركة يغلب عليها الطابع الآلي لأن أغلب شخصيات العمل ريبوتات أو بشر تحولوا لريبوت، ووظف المخرج كل العناصر لصناعة فرجة مسرحية متكاملة من أغاني واستعراضات بسيطة، وكوميديا غنية بالمواقف والمفارقات.