ممدوح عيد يكتب : عندما يدخل الفريق داخل بيوتنا الكرة التي فرّقت الأحباب التعصب الكروي (5/6)

لطالما كانت كرة القدم ملهمة للوحدة والتواصل، وساحة لتقارب الأجيال، ومنبرًا لتبادل الفرح والأمل.
لكنّها في الوقت ذاته، قد تتحول إلى جدار عازل بين الأهل والأصدقاء، عندما يتجاوز الانتماء حدود التشجيع إلى التعصب الذي يُشعل الخلافات.
حين يجتمع الأهل حول شاشة التلفاز، أو يتناقش الأصدقاء في مقهى، قد تبدو مباراة كرة قدم مجرد حدث رياضي، لكن أحيانًا، تصبح الكلمة واحدة، أو الإيماءة، سببًا في جرح العلاقات، وإشعال نزاعات لا تنتهي عند صافرة النهاية.
التعصب الكروي داخل الأسرة أو دائرة الصداقة لا يُقاس فقط بعدد المشاجرات، بل بمدى التأثير الذي يتركه على جودة العلاقات اليومية، واحترام الآراء، والقدرة على تقبل الآخر المختلف.
ينبع جزء كبير من هذا الصراع من طبيعة الانتماء نفسه، الذي يتطلب أحيانًا تجاوز الحدود الطبيعية للقبول في العائلة، حيث تلتقي أجيال متعددة على مائدة واحدة، قد يحمل كل فرد مشاعره وتجربته مع فريقه المفضل، مما يخلق أجواءً متوترة خصوصًا عندما يكون الاختلاف بين فرق قوية وخصوم متنافسين.
الأصدقاء، من جانبهم، يمثلون فضاءً اجتماعيًا تختلط فيه المتعة بالمنافسة، ويصبح النقاش حول الكرة وسيلة للتقارب أو للتباعد.
لكن عندما يتحول النقاش إلى حرب باردة أو علنية، تضعف الروابط التي بنيت على سنوات من الود والاحترام.
في كثير من الأحيان، تندلع الخلافات بسبب تفاصيل تبدو صغيرة للوهلة الأولى: تعليق ساخر، أو مزحة تجاوزت الحدود، أو تفسير متشنج لقرار تحكيمي.
وهنا تظهر هشاشة العلاقات، حيث تُترك كلمة واحدة لتُثقل كاهل المودة، ويُنسى أن كرة القدم لعبة من المفترض أن تجمع الناس، لا تفرقهم.
لكن لماذا يصل التعصب إلى هذا المستوى داخل العلاقات الشخصية؟
الإجابة تكمن في أننا لا نتعامل مع كرة القدم فقط كمنافسة رياضية، بل كجزء من هويتنا، وعلامة على مكانتنا الاجتماعية، وربما كوسيلة للتعبير عن انفعالات أعمق مرتبطة بالانتماء والكرامة.
عندما يُهاجم فريقنا، نشعر وكأننا نحن أنفسنا مُهاجمون، وعندما تُسخر من لاعب أو مشجع، نأخذ الأمر شخصيًا.
وهذا يفسر لماذا يمكن لكلمة أو نكتة أن تُشعل خلافًا بين أصدقاء أو أفراد عائلة.
على الجانب الآخر، يمكن أن تكون كرة القدم فرصة لبناء جسور التواصل.
حين نُدرك أن اختلاف الآراء لا يعني العداء، وأن المشاركة في فرحة أو خيبة فريق ما لا تنقص من قيمة العلاقة الإنسانية.
التحدي يكمن في إيجاد توازن بين الانتماء والاحترام، بين التشجيع والحوار الهادف، وبين التعبير عن الرأي والاحتفاظ بأدب الحوار.
وهذا يحتاج إلى وعينا، وإلى ثقافة رياضية تُعلي من قيم الاحترام والتسامح، وتُبعدنا عن السقوط في فخ التعصب الأعمى
في النهاية، تبقى كرة القدم لعبة، ورغم أنها قد تثير شغفنا، إلا أنها لا تستحق أن تفرّقنا أو تفسد دفء علاقاتنا.
فلنجعل من كل مباراة فرصة للتقارب، ومن كل هدف لحظة فرح مشتركة، ومن كل هزيمة درسًا في الاحترام والروح الرياضية.
كاتب المقال الكاتب الصحفى ممدوح عيد مدير تحرير جريدة الجمهورية