عمرو النعماني يكتب : وتبقى القاهرة صامدة على ثوابتها

في السياسة لا تُقاس المواقف بعلو الصوت ، بل تُوزن بميزان الدولة ومنذ اندلاع المواجهة الأخيرة في غزة تتعرض مصر لحملة ضغوط ومزايدات غير مسبوقة، وكأن القاهرة مطالبة بأن تتصرف بما يتوافق مع رغبات الآخرين، لا وفقًا لحسابات أمنها القومي وسيادتها
الجيش المصري الذي خاض معارك الأمة كلها ودفع الثمن من دماء أبنائه وأمن بلاده، ليس جيشا للاستخدام المؤقت، ولا كتيبة تدخل سريع لتصفية حسابات الآخرين إنه جيش دولة ذات سيادة، يتحرك حين ترى الدولة أن أمنها القومي في خطر، ويتوقف حين تقتضي المصلحة الوطنية ذلك، دون ضغوط أو إملاءات.
ما يجري في غزة مأساة حقيقية، ولا يحتاج إلى تكرار أو توصيف، لكن التعامل معها يجب أن يكون بعقلانية ، المعابر التي يغلقها الاحتلال الإسرائيلي هي تحت سيطرته وحده وليس من المنطق أن يُطلب من مصر اقتحامها أو فتحها بالقوة، وإلا أصبحت القاهرة في مواجهة عسكرية مباشرة مع إسرائيل وبمعنى أدق في مواجهة مباشرة مع أمريكا
الغريب أن البعض يوجه اللوم إلى مصر، بينما يغض الطرف عن العواصم العربية صاحبة العلاقات الوثيقة مع إسرائيل والنفوذ الواسع في واشنطن، وعلى رأسها الإمارات وقطر والسعودية ، تلك الدول قادرة لو أرادت أن تحدث فرقا حقيقيا وأن تستخدم أدواتها الدبلوماسية والاقتصادية في الضغط على صانع القرار الإسرائيلي ولكن يبدو أن تحميل مصر فوق طاقتها أسهل من مجابهة الواقع
من اتخذ قرار طوفان الأقصى لم يُشرك أحدا ولم ينسق مع أحد ولم يحسب عواقب قراره على المدنيين ، واليوم بعد أن اشتعلت النيران واشتدت آلة الحرب، يطلب من مصر أن تتدخل وتتحمل مسؤولية قرار لم تكن طرفا فيه، ولم تُستشر بشأنه ولم تملك منع وقوعه
إن مصر لا تتنصل من التزاماتها تجاه الشعب الفلسطيني ولم تتأخر يوما عن دعم القضية في كل المحافل، لكنها لا تقبل أن تتحول إلى كبش فداء، ولا أن تُزجّ في معركة يُراد لها أن تنفجر بغير حساب. فقرار الحرب ليس نزهة ولا هو شعار عابر، بل مسؤولية كبرى تتطلب توازنا وقرارا سياديا لا يُؤخذ تحت ضغط ..
الذين يزايدون على موقف مصر لا يعنيهم في الحقيقة إنقاذ غزة بقدر ما يعنيهم إحراج القاهرة أو جرها إلى مستنقع خطير لا يخرج منه أحد رابحا ، مصر تدرك جيدا هذه الفخاخ وتعرف متى تتحرك، وكيف تحمي أشقاءها دون أن تعرض أمنها القومي للخطر ، من يظن أن القاهرة يمكن أن تتحرك وفق ردود أفعال شعبوية يجهل أبجديات الدولة وعليه بأن يراجع التاريخ قبل أن يتحدث عن مصر
حفظ الله مصر جيشا وشعبا وقيادة