اليوم ذكرى ميلاد أبو بكر عزت.. نجم الجوائز الذي جمع بين خفة الظل وعبقرية الأداء

في مثل هذا اليوم 8 أغسطس، وُلد الفنان الكبير أبو بكر عزت، أحد أعمدة التمثيل في مصر، الذي استطاع أن يحجز لنفسه مكانة خاصة بين عمالقة الفن، بما قدمه من أدوار خالدة في المسرح والسينما والتلفزيون. تعددت مواهبه وتنوعت شخصياته بين الكوميديا والشر، بين الرومانسي والواقعي، ليصبح فنانًا شاملاً بأكثر من 250 عملًا فنيًا.

النشأة والبدايات الأولى

ولد الفنان أبو بكر عزت في حي السيدة زينب الشعبي بالقاهرة عام 1933، حيث نشأ وسط أجواء شعبية ألهمته الكثير من الشخصيات التي قدمها لاحقًا.
تلقى تعليمه الثانوي في المدرسة الخديوية، ثم التحق بكلية الآداب – قسم الاجتماع بجامعة القاهرة وتخرج منها عام 1959.

بدأ شغفه بالفن مبكرًا من خلال المسرح المدرسي، ثم التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية في نفس عام تخرجه من الجامعة، ما يعكس مدى إصراره على دخول عالم الفن من أبوابه الرسمية.
انضم بعد تخرجه إلى فرق مسرحية مرموقة مثل المسرح الحر، ومسرح الريحاني، ومسرح التلفزيون، قبل أن ينتقل إلى السينما في أواخر خمسينيات القرن الماضي.

رحلته في السينما.. من الكوميديا إلى الأدوار المركبة

استطاع أبو بكر عزت أن يثبت نفسه كأحد أهم الممثلين في السينما المصرية، وشارك في عشرات الأفلام التي تنوعت بين الكوميديا والدراما والتشويق.

من أبرز أفلامه:
"30 يوم في السجن"، "أفواه وأرانب"، "المرأة والساطور"، "معبودة الجماهير"، "دموع صاحبة الجلالة"، "الهروب"، "الإمبراطور"، "الزمن والكلاب"، "الحياة حلوة"، "دعوة للزواج"، "القطار"، وغيرها من الأفلام التي تركت بصمة لا تُنسى.

قدّم أدوارًا مهمة في أفلام تحمل أبعادًا اجتماعية ونفسية، وتمكن من إقناع الجمهور بأداء سلس، صادق، وعميق حتى في الأدوار الثانوية.

المسرح.. بيته الأول وعودته الحقيقية

برغم انشغاله بالسينما والتلفزيون، ظل المسرح هو عشقه الأول. قدّم فيه أعمالًا ناجحة، مثل:"البيجامة الحمرا"، "قصر الشوق"، "المفتش"، "الدبور"، و*"سنة مع الشغل اللذيذ"

لكن الدور الأهم في مشواره المسرحي كان في مسرحية "الدخول بالملابس الرسمية" مع الفنانة سهير البابلي، والتي اعتُبرت بمثابة عودته القوية للمسرح بعد غياب، وأظهرت إمكانياته المسرحية بوضوح في دور معقد مزيج من الكوميديا والدراما.

الدراما التليفزيونية.. بصمة حقيقية على الشاشة الصغيرة

كان لأبو بكر عزت حضور مميز في الدراما التليفزيونية، حيث شارك في عدد من أبرز المسلسلات التي لا تزال تُعرض حتى اليوم. منها:

رأفت الهجان- السقوط في بئر سبع -أرابيسك - حلم الجنوبي - مكان في القلب - بنت أفندينا - طعم الأيام -على نار هادئة (وكان آخر أعماله قبل رحيله)

قدّم خلالها شخصيات متنوعة بين الأب الحنون، والرجل الصارم، والمسؤول الوطني، والموظف البسيط، ونجح في الوصول إلى قلوب المشاهدين بسهولة.

قصة حب وزواج استمر 41 عامًا

تزوج الفنان أبو بكر عزت من السيناريست الراحلة كوثر هيكل، واستمر زواجهما لمدة 41 عامًا- روت كوثر في أحد حواراتها الصحفية قصة تعارفهما، حيث قالت:

لفت نظري بحماسته ونشاطه، كان يدرس في كلية الآداب ومعهد التمثيل معًا، وبعد الدراسة التقيت به في مبنى ماسبيرو، وكنت أتجنبه لأن مظهره كان يوحي بأنه شاب مستهتر، لكن الحقيقة كانت مختلفة تمامًا."

في إحدى المرات، جلس بجوارها في عرض مسرحي وأخبرها عن ظروفه الصعبة، حيث توفي والده صغيرًا وكان يعمل ليلًا ونهارًا ليعالج والدته. بعد فترة تقدم للزواج منها، ورغم رفض عائلتها في البداية لأنه "فنان"، أقنعهم بأنه يعمل مدرسًا في المعهد العالي الصحي، واستقال من الوظيفة بعد الزواج.

وعن تفاصيل زواجهما، قالت:

واجهنا عقبات مالية، وقام زملاؤنا بتنظيم جمعية لتدبير نفقات الزواج، وكان من بينهم حسين كمال، إنعام محمد علي، وشريفة فاضل التي أحيت الفرح مجانًا".

الجوائز والتكريمات.. فنان الجوائز بامتياز

نال أبو بكر عزت تقديرًا فنيًا كبيرًا خلال مشواره، حيث حصل على العديد من الجوائز، أبرزها: جائزة أفضل ممثل في مهرجان القاهرة السينمائي عام 1996 عن فيلم "المرأة والساطور"، جائزة جمعية فن السينما، جائزة من جامعة الدول العربية عن مسلسل "الشاهد الوحيد" ، جائزة مهرجان أفلام التلفزيون عن السهرة التلفزيونية "استقالة عالمة ذرة"،جوائز أخرى عن مسلسلات مثل "لا" و*"مكان في القلب"*

وصفه الكاتب زكي مصطفى في كتابه "ورود لا تذبل" بأنه، فنان جمع بين خفة الظل وبراعة الأداء، وحاز على جوائز يصعب حصرها".

بين الانتقاد والتطور.. نظرة السعدني والفن الحقيقي

في بداية مشواره، انتقد الكاتب محمود السعدني في كتابه "المضحكون" توجه أبو بكر عزت للكوميديا، وكتب ظن نفسه من المضحكين الجدد، لكنه ليس مضحكًا، حاولت إقناع نفسي، ولكن الأيام أثبتت أنه فنان درامي جاد".

لكن السعدني نفسه تنبأ له بمستقبل كبير حين ينضج ويعمل مع كبار النجوم، وهو ما تحقق لاحقًا، حيث قدم أعمالًا عميقة وأداءات نالت تقدير الجمهور والنقاد.

المرأة والساطور- شخصية غيرت تاريخه

قالت الفنانة نبيلة عبيد عن فيلم "المرأة والساطور" الذي جمعها به، توقعت له الجائزة منذ البداية، وأخبرته صدقني يا بيكو هتاخد جايزة، مشيرة الى ان، الدور كان بعيدًا عن الكوميديا، وكان صعبًا، مشهد الطعنة والقتل كان مرهقًا جدًا، لكنه أداه بإتقان تام".

الوداع الأخير

رحل الفنان أبو بكر عزت في 27 فبراير 2006 عن عمر ناهز 73 عامًا، بعد مشوار فني طويل حافل بالعطاء، تاركًا خلفه رصيدًا ضخمًا من الأعمال التي لا تزال تُعرض وتُذكر وتؤثر في الأجيال المتعاقبة.

فنان لا يُنسى

أبو بكر عزت لم يكن فقط ممثلًا موهوبًا، بل كان إنسانًا نبيلًا، وزوجًا وفيًا، وفنانًا صادقًا مع نفسه وجمهوره. استطاع أن يترك وراءه تاريخًا فنيًا لا يُنسى، وشخصيات لا زالت تحيا في وجدان المصريين، لتبقى ذكراه دائمًا حيّة في قلوب محبيه.