الدكتورة شاهيناز عبد الكريم تكتب: ”المتحف المصري الكبير.. حين تتحدث الحضارة بلسان العصر”
يُطل المتحف المصري الكبير على العالم كأعظم شاهد على عبقرية المصريين وقدرتهم على تحويل الحلم إلى واقع، ليصبح الافتتاح المرتقب للمتحف حدثًا استثنائيًا لا يقتصر على كونه إنجازًا أثريًا وثقافيًا، بل علامة فارقة في تاريخ الدولة المصرية الحديثة، التي عرفت طريقها إلى الاستمرارية والبناء لا إلى التوقف والانقطاع.
منذ أن وُلدت فكرة إنشاء أكبر متحف أثري في العالم مطلع الألفية الجديدة، كان الهدف أن يكون هذا الصرح واجهة حضارية تُجسد تاريخ مصر الممتد لآلاف السنين. بدأ المشروع في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، ومرّ بسنوات من التحديات عقب أحداث 2011، حتى جاء الرئيس عبد الفتاح السيسي ليمنحه الحياة من جديد، ويوجّه باستكماله وفق أعلى المعايير العالمية في التصميم والعرض المتحفي، ليصبح المتحف المصري الكبير بمثابة "هدية مصر للعالم".
يضم المتحف أكثر من 40 ألف قطعة أثرية، من بينها المجموعة الكاملة للملك توت عنخ آمون التي تُعرض لأول مرة كاملة في مكان واحد، إضافة إلى التماثيل العملاقة لرمسيس الثاني، وكنوز الدولة القديمة والحديثة، وآثار العصور اليونانية والرومانية والقبطية والإسلامية. ويمتد على مساحة نصف مليون متر مربع تطل مباشرة على أهرامات الجيزة، ليصبح بذلك أكبر متحف في العالم مخصص لحضارة واحدة.
وقد لفت الحدث أنظار العالم، فوصفت صحيفة “الجارديان” المتحف بأنه “أعجوبة القرن الحادي والعشرين”، واعتبرته منظمة اليونسكو نموذجًا عالميًا لحفظ التراث الإنساني، بينما أشادت اللوفر والمتحف البريطاني بالتجربة المصرية التي جمعت بين الأصالة والتكنولوجيا الحديثة.
لكن القيمة الحقيقية للمتحف لا تكمن في حجمه أو مقتنياته فحسب، بل في رمزيته العميقة كـ رمز للاستمرارية المؤسسية في مصر الجديدة، حيث يكتمل مشروع وطني ضخم بدأ في عهد، ويُفتتح في عهد آخر — وهو مشهد نادر في التاريخ المصري الحديث، ورسالة واضحة بأن مصر انتقلت من دولة الأفراد إلى دولة المؤسسات والرؤية الممتدة.
افتتاح المتحف المصري الكبير ليس مجرد حدث أثري؛ إنه لقاء الحضارتين القديمة والجديدة، حين تتصافح الأهرامات مع التكنولوجيا، وحين تلتقي عبقرية الماضي مع طموح الحاضر لتصنع معًا مستقبلًا يليق بمصر التي تُبهر العالم منذ آلاف السنين.





















