“كيوبيد” يعود لبهو متحف محمد محمود خليل شاهدًا على الجمال والحب
في مشهد يجمع بين سحر الفن ورمزية العاطفة، يشهد متحف محمد محمود خليل وحرمه حدثًا فنيًا لافتًا بعودة تمثال “كيوبيد” إلى العرض بعد فترة من الغياب إثر خضوعه لعملية ترميم دقيقة أعادت إليه بريقه القديم.
يأتي ظهور التمثال في ساحة المتحف المطلة على ضفاف النيل، متزامنًا مع الاحتفال بعيد الحب المصري، ليضفي على المكان أجواءً شاعرية تحتفي بالجمال الإنساني والفن الخالد.

التمثال الرخامي، الذي يجسد شخصية “كيوبيد” رمز الحب في الميثولوجيا الإغريقية، يعكس رؤية فنية عميقة تتجاوز الأسطورة نحو معنى أكثر صفاءً ونقاءً. يظهر “كيوبيد” في هيئة طفولية بريئة، بعيدة عن الصورة المألوفة للغواية والعبث، ليقدّم الفنان من خلاله تأملًا بصريًا في جوهر الحب كحالة نقية تنبع من الداخل.

الملامح الرقيقة والتكوين المتوازن والنسب الدقيقة تمنح العمل روحًا إنسانية متفردة، بينما تعكس الانسيابية في الحركة ودقة التشكيل مهارة الفنان الذي استطاع أن يمنح الرخام ملمسًا نابضًا بالحياة.
اختيار إدارة المتحف لساحة العرض المطلة على النيل لم يكن مصادفة؛ فالمكان يفتح أفقًا بصريًا وروحيًا واسعًا أمام الزائر، إذ يتقاطع الضوء مع انعكاسات الماء على سطح الرخام الأبيض، ليبدو التمثال وكأنه جزء من الطبيعة المحيطة، يتنفس الجمال ويستحضر البهجة، هذا التكوين البصري المدهش يحوّل بهو المتحف إلى لوحة مفتوحة تتلاقى فيها عناصر الماء والنور والحجر في انسجام شعري نادر.
ويحمل توقيت عودة التمثال إلى الواجهة دلالة رمزية مضاعفة، إذ يأتي في عيد الحب ليذكّر الزائرين بأن الفن في جوهره فعل حب، وأن الجمال هو اللغة التي تتجاوز الزمن وتوحّد البشر. فبين جدران المتحف التي تحتضن روائع الفن الأوروبي من القرن التاسع عشر، يطل “كيوبيد” شاهدًا على أن الإبداع لا يموت، وأن القيم الجمالية والإنسانية قادرة على تجديد نفسها كلما أُعيد اكتشافها.
ويؤكد القائمون على المتحف أن عملية الترميم جاءت في إطار خطة شاملة للعناية بالمقتنيات النادرة وإعادة تقديمها بأساليب عرض حديثة تواكب متغيرات الذوق العام.
وحظي تمثال “كيوبيد” بعناية خاصة نظرًا لقيمته الفنية العالية، إذ يمثل نموذجًا كلاسيكيًا يجمع بين الدقة الأكاديمية والحس الرومانسي الذي يميز فنون النحت الأوروبية في القرن التاسع عشر.
وتضيف هذه العودة للمتحف بُعدًا إنسانيًا جديدًا، يعيد التأكيد على دوره كمؤسسة لا تقتصر على حفظ التراث الفني، بل تسعى أيضًا لإحياء العلاقة الوجدانية بين الإنسان والفن وتحفيز الزائر على التأمل في المعاني التي تتجاوز حدود الشكل إلى فضاء أرحب من الجمال والمحبة.
في نهاية الجولة، يقف الزائر أمام “كيوبيد” فلا يرى مجرد تمثال رخامي نُحت بإتقان، بل يرى مرآة للمشاعر الإنسانية التي لا تبلى، ودعوة للتصالح مع الذات والعالم. في يوم الحب، يصبح المتحف أكثر من مكان للعرض؛ إنه مساحة للقاء بين الماضي والحاضر، بين الفن والحياة، بين الحجر والقلب.
ويعود “كيوبيد” إلى مكانه الطبيعي لا كرمز أسطوري فحسب، بل كرسالة فنية تؤكد أن الحب يظلّ أعظم ما أنتجه الإنسان، وأن الفن هو طريقه الأبدي إلى الخلود.
















