وكالة «إيكوفين» تبرز تحول مصر لمركز إقليمي للمواهب الهندسية ضمن سلاسل التكنولوجيا العالمية
تشهد مصر تحولًا لافتًا في موقعها داخل صناعة التكنولوجيا العالمية حيث باتت الكفاءات الهندسية المحلية عنصر جذب رئيسي للشركات الأمريكية والأوروبية والخليجية الباحثة عن مراكز ابتكار فعّالة من حيث التكلفة وقادرة على العمل ضمن سلاسل الإمداد التكنولوجية الدولية، ولم تعد مصر ينظر إليها بوصفها سوقًا استهلاكية للتكنولوجيا بقدر ما أصبحت قاعدة إنتاج وتطوير تعتمد على رأس المال البشري عالي المهارة، طبقا لتقرير نشرته اليوم /الإثنين/ وكالة إيكوفين الإخبارية المتخصصة في الشئون الاقتصادية الإفريقية.
وتعكس مؤشرات التمويل هذا التحول إذ سجل نشاط الشركات الناشئة تعافيًا ملحوظًا خلال عام 2025، ولكن وفق نمط جديد أكثر انتقائية فبين يناير ومايو 2025، جمعت الشركات الناشئة المصرية نحو 228 مليون دولار من التمويل بالأسهم والديون، أي أكثر من ضعف ما تم جمعه خلال الفترة نفسها من عام 2024، واستمر هذا الاتجاه في النصف الثاني من العام مع ارتفاع تمويل رأس المال المخاطر بنسبة 31% على أساس سنوي مقارنة بالنصف الثاني من 2024، ليصل إلى نحو 524 مليون دولار موزعة على 71 صفقة.
غير أن هذا النمو جاء مدفوعًا بعدد أقل من الصفقات الأكبر حجمًا، ما يعكس بيئة استثمارية أكثر تركيزًا وانتقاءً، ويبرز هذا التوجه من خلال صفقتين بارزتين: ففي مايو 2025، نجحت شركة "ناوي" المتخصصة في التكنولوجيا العقارية في جمع 75 مليون دولار، شملت جولة تمويل من الفئة (A) بنحو 52 مليون دولار إضافة إلى 23 مليون دولار ديون، لتكون من أكبر جولات التمويل في مصر خلال العام، وفي نوفمبر استحوذت شركة "جلوبال فاوندريز" الأمريكية لصناعة الرقائق على شركة "إنفيني لينك" المصرية المتخصصة في أشباه الموصلات والفوتونيات السيليكونية في خطوة سلطت الضوء على الاهتمام الدولي المتزايد بالقدرات الهندسية المتقدمة في مصر، وليس فقط بقطاع التكنولوجيا الاستهلاكية.
ويعود هذا التحول إلى عوامل هيكلية أعمق أبرزها توافر قاعدة واسعة من المهندسين ذوي المهارات العالية في مجالات مثل هندسة البرمجيات وأشباه الموصلات والبحث التطبيقي، ما جعل مصر خيارًا مفضلًا للشركات العالمية الساعية إلى توسيع قدراتها البحثية والتطويرية بكفاءة، ونتيجة لذلك بدأت نماذج الأعمال داخل منظومة الشركات الناشئة تتغير مع تركيز متزايد على المنتجات الموجهة للتصدير، والإيرادات المقومة بالعملات الأجنبية، وخدمة العملاء من الشركات والمؤسسات خارج السوق المحلية.
وفي هذا السياق، تراجع الدور النسبي للسوق الداخلية، المتأثرة بتحديات التضخم وضعف القوة الشرائية لصالح التوجه نحو العملاء الإقليميين والدوليين وتعمل فرق الهندسة المحلية بشكل متزايد على تطوير حلول تخدم أسواقًا عالمية ما يعزز اندماج مصر في سلاسل القيمة التكنولوجية والصناعية الدولية.
كما بدأت المؤسسات العامة في عكس هذا التحول في خطابها وسياساتها، إذ تروّج الجهات الحكومية المعنية بريادة الأعمال والتنظيم التكنولوجي لقطاع التكنولوجيا بوصفه قطاعًا استراتيجيًا للتصدير، ويتم إبراز الهندسة والتكنولوجيا العميقة وخدمات البرمجيات كركائز أساسية لتعزيز مرونة الاقتصاد، إلى جانب جهود لتيسير تحويل رؤوس الأموال وجذب استثمارات أجنبية طويلة الأجل.
وشهدت خريطة المستثمرين بدورها تطورًا ملحوظًا، حيث باتت رؤوس الأموال القادمة من دول الخليج، ولا سيما السعودية والإمارات، اللاعب الأبرز في جولات التمويل الكبرى في حين يركز المستثمرون الغربيون بشكل أكبر على صفقات الاستحواذ والمنصات الهندسية القابلة للتوسع عالميًا، وأسهم ذلك في تعزيز اتجاهات الاندماج والتركيز بدلًا من التوسع الواسع النطاق لعدد كبير من الشركات الناشئة.
ورغم هذه المؤشرات الإيجابية لا تزال بعض المخاطر قائمة، من بينها احتدام المنافسة العالمية على المواهب التقنية، واحتمالات هجرة الكفاءات إلى أسواق توفر أجورًا أعلى في أوروبا أو الخليج، ومع ذلك ترى الشركات متعددة الجنسيات في مصر عقدة إستراتيجية متنامية: قاعدة هندسية كبيرة وقريبة جغرافيًا، قادرة على العمل بكفاءة، ومندمجة بشكل متزايد في سلاسل التكنولوجيا والصناعة العالمية.
























