بوابة الدولة
بوابة الدولة الاخبارية

الكاتب الصحفى صالح شلبى يكتب : معاون وزير الشباب والرياضة . . سقطة أخلاقية لا تليق بمصر

الكاتب الصحفى صالح شلبى
-

في لحظة ألم إنساني نادرًا ما تختلط فيها الكلمات، خرج الدكتور عصام حجي، العالم المصري في علوم الفضاء، ليكشف عن واقعة مؤلمة تعرّض لها أثناء محاولته إنهاء إجراءات نقل جثمان والدته من الولايات المتحدة إلى أرض الوطن.

حجي تحدّث بألم عن تجاهل القنصل المصري في لوس أنجلوس لطلب مقابلته لتوقيع توكيل قانوني يُسهم في تسريع عملية الدفن في مصر، لم يكن الفيديو الذي نشره الدكتور حجي هجوميًا، بل كان تعبيرًا عن وجع وموقف إنساني.

لكن الصدمة لم تأتِ من مضمون الفيديو، بل من رد فعل صادم صدر من شخص يُفترض به أن يمثل نموذجًا للوعي الرسمي والانضباط الحكومي، مصطفى عز العرب، معاون وزير الشباب والرياضة لشؤون التنمية الثقافية والمجتمعية، خرج ليرد على عصام حجي بلغة لا تليق، لا بوظيفته، ولا بمستوى الحديث، ولا باللحظة الإنسانية التي كان يمر بها العالم المصري.

الأدهى أن عز العرب هاجم حجي قائلًا: "يعني أنت أمك ميتة وبتحاول تدفنها ورايح ترازي في الناس، الناس خلّصولك مشكلتك، إيه عرفك الراجل الدبلوماسي ده بيعمل إيه؟"
ثم تابع بإهانة صريحة: "الدبلوماسي اللي بيشوف شغله أنضف منك ومن عينتك، بجد من زمان حاسس إن عندك مشاكل نفسية وحقيقي بعد الفيديو ده اتأكدت."

الغريب في الأمر أن مصطفى عز العرب تقمّص دورًا لا يخصه من الأساس، كأنما أصبح أحد أعضاء السلك الدبلوماسي بوزارة الخارجية، فتصدّى للرد على واقعة تمس العمل القنصلي والدبلوماسي خارج حدود اختصاص وزارته تمامًا، فهل صدرت له توكيل رسمى، أو تفويض معلن من وزارة الخارجية للرد نيابة عنها؟! أم أنه قرر – من تلقاء نفسه – أن يمنح نفسه صلاحيات لا يملكها، ويُقحم وزارة الشباب والرياضة في قضية دبلوماسية خالصة لا شأن لها بها؟!
هذا التدخل المستغرب يفتح بابًا كبيرًا للعبث بالمسؤوليات والخلط بين الاختصاصات، وهو ما لا يليق بدولة بحجم مصر، ولا بمؤسسة رسمية يُفترض أنها تكرّس لقيم الانضباط والاحتراف.
تُرى ما علاقة معاون وزير الشباب والرياضة بهذه الواقعة من قريب أو بعيد؟
هل أصبح موظفو الحكومة متخصصين في الطب النفسي وتقييم المواطنين؟ هل أصبح المنصب العام مبررًا لإهانة العلماء والتطاول عليهم؟!وهل يليق أن تخرج هذه العبارات من مسؤول رسمي في لحظة حزن إنساني خالص؟!

كنا نتوقع، إن أراد معاون الوزير التدخل، أن يتحدث بلغة إنسانية، أو على الأقل يقدم واجب العزاء، لكن يبدو أن البعض يرى في وسائل التواصل فرصة للشو، ولو على حساب الكرامة والمشاعر والوظيفة العامة.

الرد الصادر من عز العرب لم يكن فقط سقطة أخلاقية، بل إقحام فجّ لوزارة الشباب والرياضة في شأن لا صلة لها به من قريب أو بعيد، مما دفع الوزارة مشكورة إلى إصدار بيان سريع أكدت فيه أن ما صدر من معاونها هو سلوك فردي لا يمثلها، وقررت إحالته للتحقيق تأكيدًا على احترامها لقيم الانضباط المؤسسي والمهنية.

لكن يبقى السؤال مفتوحًا: هل تكفي الإحالة للتحقيق؟ أم أن ما قيل يحتاج إلى وقفة أكبر تُعيد تعريف معنى "المسؤولية"، وتفرّق بين التمكين والتمادي، وبين الحضور الرسمي والحضور الأخلاقي؟!

إن مصر التي أنجبت عصام حجي، قادرة على أن تفرّق بين العالم الحقيقي، والمزايد خلف الكيبورد، هل وصلنا إلى مرحلة أصبح فيها التطاول والتجاوز هو العنوان الأبرز لمن يعملون داخل الوزارات؟ وهل كل من جلس على مقعد في مكتب حكومي ظن نفسه وصيًا على الوطنية والانتماء والخلق؟!

الغريب في الأمر أن مصطفى عز العرب ليس شابًا مبتدئًا بلا خبرة، بل يحمل سيرة ذاتية زاخرة بالمناصب والمهام الدولية واللجان العليا والوفود الرسمية، لكن ماذا تفيد كل هذه "العناوين" إذا غابت عنها أبسط قواعد الأخلاق المهنية واحترام الآخر؟! الرسالة هنا ليست فقط لمصطفى عز العرب، بل لمن عيّنه، ولمن يدافع عن هذه النوعية من الموظفين:
من يرفع اسم مصر في الخارج يجب أن يكون صورة مشرفة لبلاده، لا عبئًا على صورتها الدولية، ومن يقود مبادرات ثقافية وتنموية يجب أن يكون قدوة في احترام الآخر، لا مصدرًا للانقسام والفتنة.

وزير الشباب والرياضة مطالب الآن باتخاذ موقف حاسم، لا مجرد " إحالة للتحقيق " تنتهي إلى لا شيء، هذه الواقعة ليست حادثًا عرضيًا، بل جرس إنذار يهدد صورة الدولة ومكانتها.

وإن كنا نؤمن بتمكين الشباب، فلابد أن يكون هذا التمكين مصحوبًا بالتأهيل، والانضباط، والرقابة، لا مجرد توزيع للمناصب كجوائز ترضية.

اقول بكل صدق ، مصر أكبر من الأشخاص، وأعظم من أن تُهان قيمها باسم "التمكين". ولن تحترمنا الأمم إن لم نحترم أنفسنا أولًا.