الكاتب الصحفى عبدالناصر محمد يكتب: معاناة شعب مع حكومة فاشلة!!

لفت نظري في الجلسة العامة لمجلس النواب المنعقدة لمناقشة الحساب الختامي للموازنة للعام المالي 2023/2024 ، رفض بعض النواب لذلك الحساب بسبب ما جاء حولها من تقرير للجهاز المركزي للمحاسبات والذي يدين في كثير من مواطنه لتلك الموازنة، وأن 70% من توصيات لجنة الخطة والموازنة لا تنفذ، و90% من توصيات الجهاز المركزي للمحاسبات تتكرر كل سنة دون أي تقدم في ذلك الملف، كما أن الحكومة ترى الشعب ماكينة نقود كل ما تفشل تسحب منه، ودعا البعض لتغيير الحكومة والبعض لتحويلها إلى النائب العام للمحاسبة جنائيًا عما جاء بتقرير الجهاز المركزي للمحاسبات، وبالطبع ذلك الحديث لم يعجب حزب الأغلبية كما هي العادة من أيام مبارك، فانبرى اعضاؤه لمهاجمة المعارضين دون أي تفنيد لما جاء بتقرير الجهاز المركزي للمحاسبات .
لذا أردت أن أستعرض ذلك التقرير لأقف على ما جاء به من مخالفات للحكومة تظهر في الحساب الختامي للموازنة للعام المالي 2023/2024 ، حيث وجدت التقرير يكشف عن مهازل كبرى متعلقة بالإضرار الكبير بالمال العام؛ مما يستوجب بالفعل المساءلة والمحاكمة، خاصة أن التقرير صادر من جهة حكومية لها مصدقتيها وبالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة، ولا حل لإسكات تلك الرقابة إلا بالاستغناء عن خدمات الجهاز المركزي للمحاسبات، وأتوقع أن يتم ذلك من أجل إسكات صوت وضمير الحق الكاشف عن تلك المهازل . فنجد التقرير يكشف عن إهدار في المال العام بلغ نحو 20.4 مليار جنيه بسبب مشروعات قدمت على إنها طوق النجاة لمستقبل مصر لكن بعد أن تم البدء فيها لم يتم الاستفادة منها وأهملت، إما لضعف الدراسات الفنية والمالية، أو لتعديل التصميمات دون مبرر، أو لتعطيل الإجراءات القانونية مثل استصدار التراخيص أو إتمام نزع الملكية. والغريب أن هذه المشكلات ليست جديدة، بل تتكرر سنويا؛ مما يؤكد غياب آليات الرقابة الفعّالة وعدم محاسبة المقصِّرين، بل إن بعض المشروعات ظلت متعثرة منذ عام 2014، مثل 2,391 وحدة سكنية لم تُستكمَل رغم مرور عقدٍ على بدء تنفيذها، ما يطرح تساؤلاتٍ حول جدوى الخطط الزمنية المُعلنة، أليس من الأولى بدلا من رفع تكاليف الحياة على الشعب الفقير أن تتوقف تلك الحكومة عن إهدار المال العام وعن الاقتراض الخارجي الممنهج لتكبيل مصر والتنكيل باهلها ؟!.
كذلك يمتد ذلك الإهدار إلى القروض الخارجية التي تتفنن الحكومة في الحصول عليها لتوجيهها لمشروعات غير منتجة مثل قصور رئاسية، ومونوريل في الصحراء، ورصف طرق غير مستخدمة، وإقامة ملاعب وشبكة نت فائق السرعة في القرى، وإعادة إحلال وحدات صحية جديدة بهدمها وإقامة أخرى دون أي مبرر غير إهدار المال العام، مع إعادة رصف طرق وأزقة لا قيمة لها ومن الممكن أن يتم تأجيل ذلك، لكن المهم عند الحكومة أن تكبل مصر وشعبها بديون دون فائدة لتزداد هذه الديون بمرور الوقت ويئن الشعب المصري كله من وطئتها دون ذنب جناه، فقد ارتفع الدين العام في مصر ليصل إلى 11.5 تريليون جنيه بنهاية يونيو 2024 بزيادة 34% عن العام السابق، فخلال خمس سنوات فقط قفز الدين بنسبة 143%، ليُحمّل الأجيال القادمة فاتورةً من الفوائد وسداد القروض. مما جعل كل مولود عليه 105 آلاف جنيه ديون، بسبب الاقتراض الخارجي، ووفقا للحساب الختامي هناك 2،6 تريليون جنيه خدمة أعباء الدين، فما ذنب المصري الذي يولد مكبلا بالديون بسبب حكومة مستهترة أو مغرضة أو فاسدة أو غير أمينة أو لا تدرك عواقب ما تفعل حتى أنها لا تحسن كما قال رئيسها أن تدبر حال مصر لأشهر مستقبلية .
وقد كشف تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات عن إهدار كذلك في الديون الخارجية، حيث تأخر السحب من بعضها رغم مرور سنوات على تفعيلها، ما كبّد الخزانة العامة عمولات ارتباطٍ بمليارات الجنيهات دون مقابل. هذا التعثر يرتبط بغياب التخطيط الاستراتيجي؛ فكيف تُوقَّع اتفاقيات قروض دون إعداد دراسات الجدوى أو تحديد الاحتياجات المالية بدقة ؟ الأمر يشبه "استدانة المستقبل" لتمويل إخفاقات الحاضر. وفي مشهدٍ ينم عن تراخٍ إداري مذهل، كشف التقرير عن 77.3 مليار جنيه من الإيرادات الحكومية التي لم تُحصَّل، تتوزع بين الجهاز الإداري (47 مليار)، والإدارة المحلية (1.8 مليار)، والهيئات الخدمية (28.5 مليار). هذه الأرقام ليست مجرد أرقام، بل هي حقوق شعبٍ يُفرَض عليه المزيد من الضرائب بينما تُهدر موارده بسبب إهمال تحصيل مستحقاته.
التقرير لم يتجاهل دور الفساد الإداري مشيراً إلى "عدم سلامة القرارات" في هيئاتٍ حيوية مثل هيئة قناة السويس، وميناء الإسكندرية، وهيئة النقل العام بالقاهرة، مما أدى إلى تحميل الخزانة مصروفاتٍ غير مبررة، وضياع إيراداتٍ كان من الممكن أن تُخفف الأزمة. السؤال الأهم : كم من المسئولين في هذه الهيئات تمت محاسبتهم ؟ الإجابة تُلامس جذر الأزمة : ثقافة الإفلات من العقاب. وفي مفارقةٍ صارخة، أكد التقرير وجود أكثر من 54 ألف وحدة سكنية مُنتهية البناء لكنها غير مُسلَّمة للمواطنين، منها نحو 37 ألف وحدة لم تُخصَّص أصلاً، وأكثر من 26 ألف وحدة مُخصَّصة لكنها مغلقة. بعض هذه الوحدات راكد منذ 2014، بتكلفةٍ إجمالية تصل إلى 10.8 مليار جنيه، بينما يدفع صندوق الإسكان الاجتماعي تكاليف حراستها. أما في قنا، فـ20 عمارة سكنية (بتكلفة 59 مليون جنيه) تم تسليمها منذ 2019 لكنها غير صالحة للسكن بسبب إهمال الشركات المنفذة.
كاتب المقال الكاتب الصحفى عبدالناصر محمد مدير تحرير بوابة الدولة الإخبارية والخبير المالى والإقتصادى