عيد لبيب يكتب : قضائنا المصرى ينتصر للطفل ياسين

في زمنٍ تكدست فيه القضايا، وتداخلت فيه الأصوات بين الشجب والمزايدة، لم يكن أمام المصريين سوى انتظار الكلمة الفصل من قضاءٍ لا يعرف المجاملة ولا يهوى التجميل، وقد كانت الكلمة واضحة، صارمة، دامغة: المؤبد لمسؤول مالي في مدرسة خاصة بدمنهور، هتك عرض طفل بريء داخل دورة مياه المدرسة بمساعدة عاملة، والجريمة تكررت مرارًا كأنها مشهد شيطاني مُعاد!
نعم.. المؤبد، لأن مصر لا تقبل أن تتحول مدارسها إلى ساحات انتهاك، ولا أطفالها إلى فرائس في أروقة العبث الأخلاقي، المتهم ليس "مربي أجيال" كما حاول البعض تجميل صورته، بل مسؤول مالي اقترب من الثمانين، وقرر أن ينزع عنه ثوب الإنسان، ليتحول إلى ذكر بلا ضمير، يجر خلفه سيدة انعدمت إنسانيتها، شاركته الفعل القذر تحت سقف يفترض أنه مؤسسة تعليمية!
لا شيء يثلج صدورنا في زمن تكاد تختلط فيه القيم إلا أن نرى ميزان العدالة يضرب بيد من حديد.. ولا يسعنا – ونحن نفاخر بقضائنا المصري النزيه – إلا أن نتوجه بخالص التقدير لمحكمة جنايات دمنهور بمحافظة البحيرة، التي قالت كلمتها الحاسمة في واحدة من أبشع القضايا التي هزت الضمير الجمعي للمصريين .
القصة موجعة.. التفاصيل مخزية.. الفعل شائن حد القرف، لكن الحكم عادل حد الطمأنينة، فحين تنتهك براءة طفل في مكان يُفترض أن يكون حصنًا للتربية والتعليم، ويتحول إلى مسرح لجرمٍ يفوق البشاعة، فإننا نكون أمام لحظة فاصلة، إما أن تنتصر العدالة، أو ندفن ما تبقى فينا من كرامة.
ولأن مصر لا تزال بخير، جاء الحكم ليرد الحقوق، ويُغلق أفواه الذئاب، ويبعث برسالة حاسمة "هتك العرض مش هيتلمّ، حتى لو كان صاحبه لابس بدلة وكرافتة وبيقول صباح الخير للعلم والنشيد الوطني!"
"حق ياسين لازم يرجع"..
الغضب الشعبي في البحيرة كان بركانًا، والنار اشتعلت أكثر حين انتشرت التفاصيل، وظهر أن العار تكرر، وأن هناك من حاول إسكاته بالمال والعطايا، هنا أطلق أولياء الأمور وأبناء البحيرة وكل من له قلب ، حملة إلكترونية فريدة من نوعها، تحولت إلى هاشتاج جبار، أعاد الثقة في قوة صوت المواطن.. صوت الأم التي كانت تنزف وجعًا، وصوت الأب الذي حاولوا شراؤه بثمن بخس، وعرضوا عليه “صفقة العار، فلوس وتعليم مجاني.. مقابل السكوت! لكنهم رفضوا، وقالوا كلمة الشعب "ابني مش للبيع، وابني مش سلعة، والقصاص مش فيه فصال!"
القضاء ينتصر.. والمجرمون إلى الجحيم
نعم، حكم المحكمة لم يكن مجرد قرار قانوني، بل كان صفعة لكل من ظن أن المال يستطيع دفن الحقيقة، وأن "العُرف" أقوى من القانون، وأن الضحية يمكن أن يتحول إلى متهم إن صرخ مطالبًا بحقه!
من دمنهور خرجت العدالة كالرصاص.. ومن بحيرة الغضب خرج يقين جديد أن في مصر قضاة لا تهزهم الضغوط ولا يُشترون بالهدايا أو المجاملات. المؤبد لهاتك عرض الطفل، المؤبد لوجه القبح الذي ظن يومًا أنه فوق المحاسبة.
إلى كل أب وأم.. لا تخافوا من العدل، خافوا من الصمت.
وإلى كل من تسوّل له نفسه أن يتحول إلى وحش في ثوب معلم.. اعلم أن هناك شعبًا صاحيًا، وقضاءً واعيًا، وطفلًا اسمه ياسين أصبح أيقونة في وجه الفساد الأخلاقي!
تحية لمحكمة دمنهور.. هذا حكم للتاريخ.. وهذه صرخة في وجه كل متحرش، وكل من يتواطأ على حق طفل أو يستهين بصرخة براءة "هتك العرض مش بيعدي.. والمؤبد هو أقل جزاء!" تحية لكل من حمل همّ هذه القضية.. تحية للناس اللي لسه عندها ضمير.
كاتب المقال عيد لبيب رجل الصناعة والسياسة وعضو مجلس الشورى السابق