بوابة الدولة
بوابة الدولة الاخبارية

الكاتبة الصحفية إيمي حمدي سراج تكتب.. في عيد العمال تحية لمن يصنعون الحياة بصمت .

إيمي حمدي سراج
إيمي حمدي سراج -

"ليس هناك عمل حقير، بل هناك مجتمع لا يُقدّر من يعمل.".. مثل عالمي .

أحيانًا، نحتاج أن نُصغي لصوت العامل البسيط أكثر من أي شعارات رسمية أو احتفالات صاخبة. في كل عام، يأتي عيد العمال حاملاً معه صورًا براقة عن تكريم العامل، لكن في العمق، تبقى الأسئلة الحقيقية دون إجابة: هل نمنح العامل ما يستحق؟ هل نحفظ له كرامته؟ هل يشعر فعلًا أن هناك من يراه وسط زحام الحياة؟

عيد العمال ليس مجرد يوم إجازة مدفوعة الأجر، وليس فقط لحظة تصفيق أو تكريم رمزي. هو، في رأيي، فرصة لتسليط الضوء على من لا يملكون رفاهية الظهور، لكنهم يحركون العجلة التي تقف عليها المجتمعات. عامل النظافة، السائق، الفلاح، الفني، النجار، العامل داخل المصنع وتحت الشمس وعلى الأرصفة... كل هؤلاء هم الذين يصنعون لنا الراحة والإنجاز والاستقرار.

تاريخ هذا العيد الذي بدأ بإضرابات في شيكاغو عام 1886 لا يجب أن يُنسى. لأنّه في جوهره صرخة ضد الاستغلال، وضد نظام كان يستهلك الإنسان دون أن يعترف له بالفضل. واليوم، بعد أكثر من قرن، لا تزال بعض الممارسات مستمرة: تأخير الرواتب، شروط عمل مجحفة، ضعف التأمينات، غياب الأمان الوظيفي، وانعدام التقدير المعنوي.

أرى أن العامل لا يحتاج فقط إلى زيادة في الدخل – رغم أهميتها – بل يحتاج إلى شعور حقيقي بالاحترام. يحتاج إلى من يسأله: هل ترتاح في عملك؟ هل يُعاملك مديرك بإنسانية؟ هل تستطيع أن تطمئن لمستقبل أولادك؟

في مجتمعنا، ما زال العمل اليدوي يُنظر إليه أحيانًا نظرة دونية، رغم أنه في دول العالم المتقدم يُعامل العامل باحترام يفوق أحيانًا من يجلس على المكاتب. هذه الثقافة يجب أن تتغير. يجب أن نعلّم أبناءنا أن من يزرع، ومن يبني، ومن يُصلح، لا يقل عن من يُخطط أو يُدير.

وفي هذا اليوم، أجد نفسي أرفع قلمي كتحية لا تحتمل المجاملة، بل تُقال من القلب: إلى كل من تعب ولم يُذكر، إلى من عمل بصمت وخرج من باب المصنع دون تصفيق أو وسام، إلى من ينهض فجرًا ليُطعم أبناءه، إلى من لا يعرف الإجازات لكن يعرف معنى الشرف.. كل عام وأنتم بخير، أنتم أصحاب العيد الحقيقيون.