الشيخ محمدالسيد متولى يكتب- وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ

من دعائم الإسلام وركائزه ركن الزكاة فلا تهاون فيه ولا تخاذل ولا تكاسل فى آداء هذا الركن وذلك لأن الزكاة تربط النسيج الإجتماعى بين الناس بعضهم بعضا ولقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يطبق هذا الركن قبل فرضيته ، فعُرف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يساعد الفقراء والمساكين والمحتاجين والمعدومين حتى قبل بعثته صلى الله عليه وسلم وخير شاهد على هذا شهادة أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها وأرضاها حيث قالت له ودللت على كلامها بمواقف رأتها متمثلة في شخص النبى صلى الله عليه وسلم مما جعلها تتكلم بهذا الكلام الطيب حين جاءها النبى صلى الله عليه وسلم من غار حراء يوم أن نزل عليه الوحى وقال لها صلى الله عليه وسلم : قدْ خَشِيتُ علَى نَفْسِي، فَقالَتْ له: كَلَّا، أبْشِرْ، فَوَاللَّهِ لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا؛ إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوَائِبِ الحَقِّ ) رواه البخاري ومسلم .
فمن المشهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يطبق هذا كله فى حياته مما دل على إنسانيته قبل كل شىء .
وكذلك أيضا تكرر هذا فى أعظم المواقف التي عرفتها البشرية كلها ، وهو موقف الهجرة النبوية ، والكل يعلم أن أول عمل قام به النبى صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة مباشرة أنه ( بنى المسجد ) ثم بعد ذلك ( آخى بين المهاجرين والأنصار )
فبناء المسجد لتقوية علاقة العبد بربه ، والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار لتقوية علاقة الناس بعضهم بعضا من هنا انطلقت شرارة الدعوة الإسلامية إلى شتى بقاع الأرض .
فالزكاة فرضت فى السنة الثانية من الهجرة النبوية بعد صدقة الفطر ، وكل هذه المواقف التى ذكرناها إنما هى قبل فرضية الزكاة مما دل على أن دين الإسلام يحافظ على القيم والمبادئ ويراعى مصلحة الفقير والمحتاج والمعدوم .
** المولى سبحانه وتعالى وصف الزكاة فى القرآن الكريم بأنها حق ، والمعنى أى ما دامت حقا فلا بد أن تُؤدَّى ولا تهاون فى آدائها .
قال تعالى ( وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ ( ٢٤ ) لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ( ٢٥ ) سورة المعارج .
ولما حدثت فتنة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة فى قضية إخراج الزكاة من قِبَل الخوارج وقف سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه لهم بالمرصاد .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال ( لَمَّا تُوُفِّيَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وكانَ أبو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، وكَفَرَ مَن كَفَرَ مِنَ العَرَبِ، فَقالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: كيفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ؟ وقدْ قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حتَّى يقولوا: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فمَن قالَهَا فقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ ونَفْسَهُ إلَّا بحَقِّهِ، وحِسَابُهُ علَى اللَّهِ فَقالَ: واللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَن فَرَّقَ بيْنَ الصَّلَاةِ والزَّكَاةِ، فإنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ المَالِ، واللَّهِ لو مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ علَى مَنْعِهَا قالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: فَوَاللَّهِ ما هو إلَّا أنْ قدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، فَعَرَفْتُ أنَّه الحَقُّ. ) رواه البخاري ومسلم .
فوقف لهم رضى الله عنه وأرضاه حتى لا يتسع الأمر وتنتشر الفتنة وكان معه الحق والصواب فى كل قرار اتخذه وقتها .
** اقترنت الصلاة بالزكاة فى القرآن الكريم فى أكثر من ست وعشرين آية مما يدل على ربط علاقة وثيقة بينها ، فالصلاة صِلة بين العبد وربه ، والزكاة صِلة بين العباد بعضهم بعضا .
** الزكاة حق الفقير فلا تهاون فيها ولا تخاذل ولا تكاسل ، لأنها حق فلا بد من تأديته حتى لا يقع المسلم فى محظور وخاصة أنها ركن من أركان الإسلام التى لا يكتمل إسلام المرء إلا بها .
** جاء الأمر بأداء الزكاة فى القرآن الكريم بصيغة الأمر الذى يحتمل الوجوب فقال تعالى ( ۞ وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۚ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ۖ وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (١٤١) سورة الأنعام .
فقال الله تعالى: { وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } وذلك أن يعلم ما كيله وحقه من كل عشرة واحد وما يلقط الناس من سنبله، وقد روي عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كل جاذّ عشرة أوسق من التمر بقنو يعلق في المسجد للمساكين. وقال الحسن البصري: هي الصدقة من الحب والثمار، وقال آخرون: هو حق آخر سوى الزكاة، روى نافع عن ابن عمر في قوله: { وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال: كانوا يعطون شيئاً سوى الزكاة، وقال مجاهد: إذا حضرك المساكين طرحت لهم منه، وعنه قال: عند الزرع يعطى القبضة، وعند الصرام يعطى القبضة، ويتركهم فيتبعون آثار الصرام، وقال سعيد بن جبير: كان هذا قبل الزكاة للمساكين القبضة والضغث لعلف دابته، وقال آخرون، هذا شيء كان واجباً، ثم نسخه الله بالعشر أو نصف العشر. وقد ذم الله سبحانه الذين يصرمون ولا يتصدقون، كما ذكر عن أصحاب الجنة في سورة " ن "
وقال تعالى مخاطباً النبى صلى الله عليه وسلم ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٠٣) سورة التوبة
فهذه آيات كلها دللت على مكانة الزكاة وفضلها .
** ولما كان الإسلام يحافظ على القيم والمبادئ ويراعى الحقوق جيدا نظَّم لنا سبل ومصارف الزكاة فقال تعالى ( ۞ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦٠) سورة التوبة .
فهذا كله دليل على الإنسانية وربط النسيج الإجتماعى بين الناس بعضهم بعضا ودليل على تقدم الأمة بشرط أن يُخرج الغنى حق الله سبحانه وتعالى ويراعى مصلحة الفقير كما أمره الله وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم .
** والذى يخشى منه الكثير من العباد قَلَّة البركة وانحسار الرزق وهذا يحدث من خلال منع الزكوات والصدقات التى هى حقوق الله تعالى ، ولقد أخبرنا النبى صلى الله عليه وسلم بذلك فعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يا معشرَ المهاجرين خمسُ خِصالٍ إذا ابتليتم بهنَّ وأعوذُ باللهِ أن تدركوهنَّ لم تظهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قطُّ حتَّى يُعلِنوا بها إلَّا فشا فيهم الطَّاعون والأوجاعُ الَّتي لم تكُنْ مضت في أسلافِهم الَّذين مضَوْا ولم ينقُصوا المكيالَ والميزانَ إلَّا أُخِذوا بالسِّنين وشدَّةِ المؤنةِ وجوْرِ السُّلطانِ عليهم ولم يمنَعوا زكاةَ أموالِهم إلَّا مُنِعوا القطْرَ من السَّماءِ ولولا البهائمُ لم يُمطَروا ولم يَنقُضوا عهدَ اللهِ وعهدَ رسولِه إلَّا سلَّط اللهُ عليهم عدوًّا من غيرِهم فأخذوا بعضَ ما في أيديهم وما لم تحكُمْ أئمَّتُهم بكتابِ اللهِ تعالَى ويتخيَّروا فيما أنزل اللهُ إلَّا جعل اللهُ بأسَهم بينهم ) رواه ابن ماجه .
وقد بين الله سبحانه وتعالى جزاء مانعى الزكاة فى القرآن الكريم فقال تعالى ( وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم ۖ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ ۖ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١٨٠) سورة آل عمران .
وبين النبى صلى الله عليه وسلم أن العذاب يلحق بصاحبه فى القبر بمجرد أن يمنع زكاته ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مَن آتَاهُ اللَّهُ مَالًا، فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ له مَالُهُ يَومَ القِيَامَةِ شُجَاعًا أقْرَعَ له زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَومَ القِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بلِهْزِمَتَيْهِ - يَعْنِي بشِدْقَيْهِ - ثُمَّ يقولُ أنَا مَالُكَ أنَا كَنْزُكَ، ثُمَّ تَلَا: (لَا يَحْسِبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) الآيَةَ رواه البخاري ومسلم .
فهل هناك وعيد أشد من هذا الوعيد ؟
قلة بركة وانحسار رزق فى الدنيا وعذاب فى القبر وعذاب يوم القيامة هذا لمن لم يؤدِ زكاته .
ومن تصدق وأنفق ووسع وسع الله عليه فى رزقه وبارك له وأكرمه وأخلف عليه خيراً فى الدنيا والآخرة .** وآخر ما نختم به ، أن جزاء المتصدق كجزاء الشهيد .
قال تعالى فى شأن المتصدق ( الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٤) سورة البقرة .
وقال تعالى فى شأن الشهيد ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٧٠) سورة آل عمران .
فالشهداء فى سبيل الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون والمتصدقون لا خوف عليهم ولا هم يحزنون .
تقبل الله منا ومنكم جميعاً وجعلنا الله من المتصدقين المخلصين الأوفياء فى الدنيا والآخرة .
الكاتب :إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف
وعضو لجنة الدعوة الإسلامية بمحافظة الشرقية .