«فاينانشيال تايمز»: مع اضطراب التجارة العالمية.. تناضل جنيف للبقاء «مقرًا» للدبلوماسية العالمية

ذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، في عددها الصادر اليوم /الأحد/ أنه مع اضطراب التجارة العالمية وزحف الاستبداد وتضرر منظمات الإغاثة جراء تخفيضات التمويل الأمريكي، يخشى المسئولون في حوالي 450 هيئة دولية مقرها جنيف على مستقبل المدينة كركيزة أساسية في السياسة العالمية.
ونقلت الصحيفة - في سياق تقرير - عن كزافييه ري دي لاستيري، الرئيس التنفيذي لمجموعة راي - التي تتخذ من جنيف مقرًا لها وتمتلك وتُطور فنادق وعقارات أخرى في سويسرا وخارجها - قوله: "يتغير العالم كل يوم الآن، يحتاج الناس إلى الاجتماع والنقاش، نرى ذلك في فنادقنا ومطاعمنا، ورغم أن جنيف لا تزال مكانًا لتبادل المعلومات، إلا أن ما يقلقنا هو مدى اختلاف الصورة بعد ستة أشهر".
ويؤكد سكان ثاني أكبر مدينة في سويسرا أن جنيف تلعب دورًا حاسمًا في النظام العالمي، إذ استضافت قممًا تاريخية خلال الحرب الباردة واجتماعًا بين الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين عام 2021 ومفاوضات وضعت الأساس للاتفاق النووي الإيراني لعام 2015.
وقال نائب عمدة المدينة سامي كنعان - في تصريح خاص لـ"فاينانشيال تايمز" - " لدينا مقولة هنا مفادها أن نيويورك هي المطعم بالنسبة للأمم المتحدة، لكن جنيف هي المطبخ .. العمل الحقيقي - غالبًا خلف الكواليس - يتم في جنيف".
وأضاف كنعان أن قرار الرئيس دونالد ترامب بالانسحاب من منظمة الصحة العالمية التي تتخذ من جنيف مقرًا لها أثار موجة من أجراس الإنذار.. " فقد واجهنا أزمات من قبل، لكنني لا أعتقد أننا واجهنا هذا المستوى من التعقيد والإلحاح".. حسب قوله.
وأوضحت "فاينانشيال تايمز" أن التخفيضات الأمريكية أدت إلى تسريح موظفين وتقليص ميزانيات هيئات، بدءًا من مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين ووصولًا إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
ويدرس الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، دمج وكالات الأمم المتحدة الرئيسية في إطار عملية إصلاح جذرية وطلب من الإدارات بالفعل محاولة نقل موظفيها من جنيف ونيويورك إلى مدن أقل تكلفة.. في غضون ذلك، تخطط منظمة الصحة العالمية لخفض عدد موظفيها وتقليص نطاق عملها، بينما صرحت الولايات المتحدة بأن تمويل منظمة التجارة العالمية وغيرها "قيد المراجعة".
وأضافت "فاينانشيال تايمز" أن الولايات المتحدة ليست وحدها التي تتخلى عن العمل الإنساني، فالدول في جميع أنحاء أوروبا تشهد حملة إعادة تسليح دراماتية حيث خفضت المملكة المتحدة ميزانيتها الإنمائية لتمويلها.. حتى سويسرا المحايدة رفعت سقف إنفاقها الدفاعي بمليارات الدولارات للسنوات القادمة، بينما خفضت ملايين الدولارات من المساعدات الخارجية.
وأشارت إلى أن جنيف بدأت تعكس بعض الأنماط الجيوسياسية العالمية، خاصة بعدما بدأت الصين في لعب دور أكبر بينما تتراجع الولايات المتحدة.. ومن المتوقع أن تسهم بكين بأكثر من خُمس ميزانية الأمم المتحدة لأول مرة هذا العام.
وقال ماكسيم بروفيني، زعيم الحزب الليبرالي الراديكالي في جنيف، إن هناك حاجة ماسة إلى مصادر تمويل جديدة.. مضيفًا أن المدينة منحت قرضًا بقيمة مليوني فرنك سويسري "أو حوالي 2.4 مليون دولار" للمنظمات غير الحكومية التي تتخذ من جنيف مقرا لها، لكن "لا يمكننا تحمل كل مسئولية هذه المنظمات".
من جهتها، خفضت مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين التكاليف بنسبة 30% في مقرها الرئيسي في جنيف وفي المكاتب الإقليمية، مما أدى إلى خفض عدد كبار الموظفين إلى النصف، وفقًا لرسالة بريد إلكتروني موجهة إلى جميع الموظفين اطلعت عليها "فاينانشيال تايمز" الأسبوع الماضي.. ومن المرجح أن تفقد الأمم المتحدة آلاف الموظفين، وكثيرون منهم في جنيف.
وقال ماثيو سولتمارش، رئيس قسم الأخبار والإعلام في مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين، قبل الإعلان عن التخفيضات الجديدة الأسبوع الماضي: "من المرجح أن يكون لذلك تأثير على المدينة، بما في ذلك دورها العالمي كمركز إنساني".
ومع ذلك، لا تزال جنيف تتمتع بقطاعات مصرفية خاصة كبيرة وتجارة السلع الأساسية والساعات الفاخرة بما يُعزز اقتصادها، لكن الدبلوماسية والمساعدات تُشكلان جوهر هويتها .. ويشعر العديد من سكان جنيف بالقلق من استضافة المملكة العربية السعودية لمفاوضات السلام بين روسيا وأوكرانيا، معتبرين ذلك دليلاً على تخلفهم عن الركب في حين تقبل البعض بالفعل تراجع دورهم في العالم القادم ونصحوا بضرورة إعادة النظر فيما يجب عليهم الحفاظ عليه.