بوابة الدولة
بوابة الدولة الاخبارية

الكاتب الصحفى محمود الشاذلى يكتب : ماأحوجنا أن نخرج الإنسان الطيب الذى بداخلنا .

محمود الشاذلى
-

بات من الطبيعى أن نتعايش كل يوم مع دوامة الحياه ، ومنعطفات الأيام من تطاحن ، وصراعات ، وترديات ، كثيرا تمنيت أن تمتد السكينه التى تلازمنا وقت المحن وفى الملمات أو عند فقد حبيب إلى كل أيامنا ، كثيرا تمنيت أن يكون التكافل الذى أدركته عند بعض الميسورين من الكرام بحق الفقراء من الأهل والأحباب فى مناسبات عده ليصبح نهج حياه ، ومنطلق وجود بحيث يشمل كل الأيام ، وطوال العام ، حتى أننى كثيرا أفكر أين الناس الطيبين ، متمنيا أن يمتد جبر الخاطر كل الأيام ، ويشمل كل الأوقات لأنه السبيل للسكينه والراحه ، ومنطلق السعاده ، متمنيا أن نودع التطاحن والبغضاء الذى خلفهما ضيق العيش ، وصعوبة الحياه ، وأن يختفى من حياتنا هذا الصراع الدامي بين الناس ، والذى جعل كثر من الذين يحترمون أنفسهم يغلقون على أنفسهم الباب ، وينكفئون على الذات ، ويتعايشون مع من تبقى من زمن جميل كان فيه الخير نبراسا ، والسعادة يقينا ، والمحبه صدقا ، لكنه أصبح الآن يتلاشى من الوجود بالكليه خاصة بعد تنامى الكذب والخداع والتضليل فى كل حياتنا .

كثيرا نذهب إلى المقابر كام كنت منذ ساعات وذلك فى رحاب الراحلين من الأحباب ، هؤلاء الموتى الذين يندر وجودهم الٱن بالحياه ، حتى على مستوى التعامل الشخصى ، والسلوك العام ، نأنس بهم ، ونحاكيهم نبلغهم بمن تزوج ، ومن مرض ، ونشكو لهم تصرفات البشر ، مطمئنين أنهم فى أحسن حال لأنهم فى عالم الصدق ، حيث معية رب العالمين ، تاركين عالمنا الذى بات فيه الكذب من المسلمات ، والخداع منهج حياه ونبراس وجود ، ويالها من حياه بات الإنسان فيها يعيش فى تيه حيث ينازع كيانه السعاده والتعاسه ، وينصهر فى عالم المتناقضات . وفى المساء نراهم يعج بهم قاعات الأفراح لحضور مناسبات سعيده ،

يتعين أن نقف مع النفس كثيرا وطويلا ، ونزلزل أركان الوجدان ، وننبه الضمير بما يجب أن يكون عليه من حال ، لأننا فى لحظه إن ٱجلا أم عاجلا سنكون من ساكنى تلك القبور ، يزورنا الأحباب صباحا ، وفى المساء يكونوا فى رحاب قاعات الأفراح ، وهكذا الدنيا ، وهكذا الحياه ، بين حزن وفرح ، وسعاده وتعاسه ، ورحمه وقهر ، وعدل وظلم ، وإذا كان ذلك كذلك من حقائق يقينيه فلماذا يظلم الإنسان أخاه الإنسان ؟ ولماذا يقهر الإنسان أخاه الإنسان ؟ ولماذا الأحقاد والكراهيات تغوص فى أعماق النفوس ؟ ولماذا الجبروات ؟ ولماذا يمعن صاحب السلطه فى قهر العباد دون إنتباه أنه جزءا من كيانهم يجرى عليه مايجرى عليهم من أمور الحياه ؟ يعنى يمرض ويتألم إذا أصاب فردا من أسرته مكروه ، ويدخل الحمام لأنه بشر لايتحمل أن يحتبس فيه البول فيتسمم جسمه ويموت ، لايمنعه عن ذلك منصب أو جاه . وكذلك الأغنياء الذين أنعم عليهم رب العالمين سبحانه بالمال فأبدعوا فى زيادته بارك الله لهم فيه طالما كان من حلال ، يبقى أن ينتبه جيدا من نسى منهم حق الله فيه فبخلوا ببعضا منه ، يفكوا به كرب المكروبين من الفقراء ، دون إدراك أنهم وأنا وجميعنا سيضمنا القبر حين يحل مقدور الله تعالى رب العالمين علينا ، عرايا مساكين ، أجسادنا ملفوفه فى كفن من القماش البسيط .

لكم بكيت من العجز عن مساعدة أصحاب الحاجات حتى وددت لو أعطانى الله من المال الذى أنقذهم به من وحشة الأيام ، وترديات الزمان ، الذى أصبحنا فيه نسمع عما يسمى بالغريمات من النساء العظيمات اللائى يعرضن أنفسهن للسجن عبر تحرير شيكات ، ووصولات أمانه مقابل أجهزه كهربائيه ليسترن بناتهن ، وفيهن أرامل ، ومن خط الفقر خطا على جبينهن ، وبات يعرفهن الناس أصحاب القلوب الطيبه ، إسترشادا بقلوبهن ، وأخريات لايردن فى الحياه أن يذهبن إلى الساحل الشمالى ، وشرم الشيخ فى الصيف ، والأقصر وأسوان فى الشتاء ، إنما يردن الستر من خلال مساعدة أهل الخير فى تدبير مصدر رزق ولو كشك يعيشون منه وأطفالهن بعد وفاة عائلهن ، وذلك بلاضجيج ، أو إحداث زخم ، أو نصب زفه ممزوجه بالطبل والمزمار .

ماأحوجنا أن نخرج الإنسان الطيب الذى بداخلنا ليعم السعاده حياة الناس ، فهل نستطيع ؟ أم سيكون مصمصة الشفاه ردا طبيعيا فى زمن تلاشى منه الخير ، وودع فيه الناس السعاده ، ثقتى فى الله كبيره ، وأن الدنيا بخير، وأن هناك من يتحركوا من داخلهم لعمل الخير ، أو تأثرا بتلك الكلمات التي تخاطب القلوب وكل الكلمات الطيبه ، فنرى الخير يجرى بين أيديهم إبتغاء مرضاة الله ، وسبيلا لرضوانه عز وجل ، وهم كثر بفضل الله ، وسيجعلهم رب العالمين سبحانه سببا فى صنع الخير ، ويافرحة من إصطفاهم الله لتلك المهمه الإنسانيه النبيله .

الكاتب الصحفى محمود الشاذلى نائب رئيس تحرير جريدة الجمهوريه عضو مجلس النواب السابق .