بوابة الدولة
بوابة الدولة الاخبارية

د. محمود فوزي يكتب: الخمول المعرفي والتحفيز الشرائي

د. محمود فوزي
-

تمارس بعض الأنشطة التسويقية والترويجية كالإعلانات، والمعارض التجارية، والتسويق الفموي، والمطبوعات، وغيرها ضغوطًا عاطفية ونفسية مدركة؛ تولّد لدي المستهلك الشعور بالاستعجال والندرة، وخيبة الأمل من ضياع فرصة شراء المنتج؛ بسبب ارتفاع سعره، أو نفاده من السوق أو غيره وهي كلها أعراض مصاحبة لظاهرة "الخوف من فوات الفرصة".
وتحقق هذه الظاهرة ذات البعدين الاجتماعي والنفسي إكراهًا خارجيًا فعالًا؛ قد يدفع الفرد إلى مواجهة قلقه وتردده، ويتغلب على عوائقه السلوكية؛ حيث يتولد لديه نية سلوكية؛ تثير لديه الرغبة الملحّة في التصرف والقيام بالأنشطة التي تمثل عنده إما مكافآت وحوافز خارجية تجنبه مخاطر العقاب الاجتماعي، أو دوافع أخرى جوهرية؛ تحقق لديه الشعور بالرضا والمتعة التامة.
ويتجه المستهلك ببعض الأحيان نحو نيل القبول الاجتماعي؛ من خلال ممارسة بعض أنماط السلوكيات الاستهلاكية التي تتسم بالاندفاع العاطفي والسلوكي وانخفاض القدرة على البحث، والتحليل، والتقييم المعرفي الواعي؛ كي يجني بعض العواطف الفورية والمحفزات النفسية؛ كالمتعة، والإثارة، والتشويق، والقبول الاجتماعي.
فعلى الرغم من اتخاذ المستهلكين للعديد من القرارات الشرائية العقلانية ذات المرجعية المنطقية؛ إلا أن انخراطهم في تيار الشراهة الشرائية المحاطة بالمحفزات النفسية والعصبية؛ يؤدي إلى تأثرهم بآراء الأغلبية، والسعي نحو التقليد؛ وهي كلها أعراض تمثل توصيفًا لحالة الخمول والكسل المعرفي، وفيها يتجنب المستهلك الانغماس في خضم التحليل المنطقي للعروض التسويقية المتاحة؛ بل يسعى جاهدًا نحو الحلول السهلة والخيارات المتاحة غير المعقدة، والاعتماد على الاستدلالات المباشرة.
ومن جانبهم يحاول المسوقون توظيف هذه الظاهرة؛ كإستراتيجية تسويقية؛ لخلق بناء تحفيزيmotivational construct؛ يعزز الإنفاق الاستهلاكي للعملاء الذين قد يضطرون لشراء كميات كبيرة من أنماط المنتجات باهظة الثمن؛ كي يتجنبوا عديد الضغوط التي أفرزها الشعور بفوات الفرصة مثل: الاكتئاب والعزلة الاجتماعية، والمقارنات الاجتماعية بذويهم، فيضطرون للهروب نحو ضغوط تسويقية أكبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ متمثلة في عروض الترويج، واستخدام المشاهير والمؤثرين، والإعلانات الإلكترونية، وكلمة الفم الإلكترونية..الخ.
ويعد الخوف من فوات الفرص التسويقية، والشعور بالحرمان النسبي، أو الدونية الاجتماعية، والسعي نحو المقارنة الاجتماعية الدائمة، والشعور بالسخط وعدم الرضا الاجتماعي، وغيرها من الأسباب المباشرة لهذه الحالة من الخمول المعرفي التي تسبب العدد من المخاطر الشرائية؛ كونها تؤدي لشعور المستهلك بالندم الشرائي الذي نجم عن الشراء الإدماني والعفوي غير المبرر.
وعقب تدارك المستهلك لحالة الانغماس في تيار الشراء الاندفاعي التي قادته إلي الشعور بالذنب والخجل بعد الشراء، فإنه يبدأ في محاولات التكيف النفسي مع هذه الحالة، وتزداد محاولات التكيف في حالة شراء المنتجات الممتعة؛ مقارنةً بالمنتجات النفعية ذات الفوائد المادية المباشرة؛ حيث يجد المستهلك صعوبةً في تبرير شراء منتجات الرفاهية، وتخفيف حالة الشعور بالألم والذنب؛ خاصةً إذا كانت ثقافته القومية والدينية تحث علي التوفير، وتُعارض مظاهر الإسراف والتبذير.