بوابة الدولة
بوابة الدولة الاخبارية

الكاتب الصحفى صالح شلبى يكتب : أمسية لا تنسى مع محمود نفادى أسطورة الصحافة البرلمانية

الكاتب الصحفى صالح شلبى
-

في حضرة الأستاذ محمود نفادي، تتوقف اللغة لتبحث عن مفردات جديدة تليق بمقام قامةٍ صحفيةٍ لم تكن يومًا عادية، بل كانت وما زالت إمبراطورية قائمة بذاتها. هو كتيبة صحفية تمشي على الأرض، وذاكرة وطنية تحفظ أدق تفاصيل العمل النيابي والسياسي، وتجعل من كل لقاء معه رحلة ممتدة في عمق الدولة وتاريخها وأسرارها.

في مساءٍ لن يُنسى، تشرفتُ برفقة الزميل القدير الكاتب الصحفي حامد محمد حامد، مدير تحرير الأهرام المسائي، بزيارة منزل عميد وشيخ المحررين البرلمانيين، النابغة والعلامة، صاحب الحضور الطاغي والحكمة البالغة، الكاتب الصحفي الكبير محمود نفادي، نائب رئيس تحرير جريدة الجمهورية، والملقّب عن جدارة بـ"مدرسة النفادية".

هذا اللقب ليس مجاملة ولا تضخيماً، بل اعتراف موضوعي من كل من عمل معه أو اقترب منه؛ فهو بحق "المدرسة"، وهو المنهج، وهو النموذج الصحفي الذي يجب تدريسه في كليات الإعلام، كيف لا وهو من أرسى قواعد التغطية البرلمانية الدقيقة، ومن رفع مستوى العمل الصحفي السياسي إلى آفاق جديدة، لم يصل إليها غيره.

محمود نفادي ليس فقط "جوجل" السياسة المصرية والعربية، بل يتفوّق عليه، لأنه لا يكتفي بإعطائك المعلومة، بل يهبك معها التحليل والسياق والقراءة المستقبلية.

ذاكرته ليست فقط قوية، بل مبهرة؛ يتذكر الأسماء والتواريخ والوقائع كما لو كانت قد حدثت بالأمس. يحفظ خريطة البرلمان المصري بأدق تفاصيلها، ويعرف عن كل نائب ما لا يعرفه أقرب المقربين إليه.

وقد لا يبالغ من وصفه بـ"مترجم النوايا السياسية"، لأنه لا يقرأ الخبر فقط، بل يقرأ ما وراءه، ويترجم النبض السياسي إلى كلمات واضحة يفهمها العامة والنخبة على حد سواء.

تحدثنا معه عن الحرب الإسرائيلية الإيرانية، فكان تحليله أشبه بمرآة تعكس الحقيقة دون رتوش، مزج فيها بين الخبرة السياسية العميقة والمعرفة الاستراتيجية الدقيقة، ثم انتقلنا إلى عالمه الأثير، عالم الصحافة البرلمانية، الذي عاش فيه، بل وصنعه بيديه،تحدث عن زملائه بكل حب وتقدير، وكيف قدّم لهم من قلبه وعقله وعلاقاته ما جعلهم يقفون على أرض صلبة.

هو من أفنى عمره وهو ينير الطريق للزملاء، وهو من علّم أجيالاً كاملة كيف يكون الصحفي البرلماني حاضرًا ومؤثرًا ومهابًا تحت قبة البرلمان، لا مجرّد ناقل لبيانات أو متتبع لتصريحات.

ويكفيه فخرًا أنه صاحب سبق "نواب أبو الهول" الذين لم ينطقوا بكلمة واحدة طوال الدورة البرلمانية، وهو التحقيق الذي فاز بجائزة نقابة الصحفيين، وأصبح مرجعًا ومثالًا حيًا على قوة المعلومة ومهارة العرض وجرأة الطرح.

ومن يرافق نفادي في رحلاته الخارجية، كما فعلنا في مؤتمرات الاتحاد البرلماني الدولي، والعربي، والإفريقي، يكتشف أنه سفير فوق العادة للصحافة المصرية، لا يرضى إلا بالريادة، ويمثل بلاده ومهنته بأناقة الكلمة وثراء الفكر، وتواضع الكبار.

لم يكن اللقاء مجرد زيارة، بل كان وقفة للتأمل في مسيرة رجل اجتمع على محبته وتقديره كل من عرفه، من وزراء إلى رؤساء أحزاب، ومن نواب إلى زملاء صحفيين، الذين يرونه مرجعًا، وصاحب فضل، وأستاذًا فوق العادة.

قلت له اللقاء القادم سيكون أوسع وأجمل، حين نجتمع حوله مع رموز الصحافة البرلمانية الاستاذة محمد المصري، عبد العزيز جاد، حمدي مبارز، جهاد عبد المنعم، وأحمد مكاوى ، ومحمد طرابية ، وهشام سلطان ،حمادة بكر، محمد يوسف، محمد المنسي، محمد حسني، كامل كامل، محمود حسين وغيرهم، ليكون الحديث عن "النفادية" حديث تاريخ، لا مجرد ذكريات.

إن محمود نفادي لم يكتب فقط في الصحافة، بل كُتب اسمه في ذاكرة وطن، وفي ضمير مهنة، وفي وجدان كل من عرف معنى الصحافة بمعناها الحقيقي، من خلاله، فهو موسوعة تمشي على قدمين، وأسطورة لن تتكرر.

حقاً وصدقاً حينما تكتب عن الأستاذ محمود نفادي، فأنت لا تسرد مجرد سيرة صحفية، بل تسجل فصلاً من فصول التاريخ المهني والوطني، فصلًا لا يُكتب بالحبر، بل يُنقش على جدران الذاكرة بحروف من نور وصدق وتجربة نادرة، نفادي ليس مجرد اسم، ولا مجرد عنوان في جريدة الجمهورية، بل هو “مدرسة النفادية” التي خرّجت أجيالًا من المحررين البرلمانيين، وتحوّلت إلى مرجعية موسوعية لكل من أراد أن يفهم دهاليز الحياة النيابية، وعلاقات القوى داخل البرلمان، وحقيقة المواقف خلف الكواليس.

إن محمود نفادي، بكل صدق، إمبراطورية صحفية متكاملة الأركان، لا تغيب عنها شمس المصداقية ولا تغمرها سحابة النسيان، اسمه محفور في ذاكرة ،الصحفيين والبرلمانيين والقراء، لأنه لم يكن يومًا باحثًا عن مجد شخصي، بل صانعًا لمجد المهنة، حارسًا لقيمها، وحافظًا لكرامتها.