بوابة الدولة
بوابة الدولة الاخبارية

الكاتب الصحفى جهاد عبد المنعم يكتب : شيرين عبد الوهاب صوتٌ لا يعرف الزيف ولا يُجيد ”الهمبكة”!

الكاتب الصحفى جهاد عبد المنعم
-

رغم مجدها الفني وشهرتها الواسعة شرقًا وغربًا، تظل الفنانة شيرين عبد الوهاب حالة استثنائية في الوسط الفني، لا تشبه أحدًا ولا تحاول أن تُشبه نفسها على أحد. عيبها الوحيد – إن جاز لنا أن نُطلق عليه "عيبًا" – أنها لا تُجيد "الهمبكة"، ولا تعرف كيف تُحيط نفسها بهالات النجومية المصطنعة، ولا تتعامل مع الحياة بمنطق النجوم، بل بروح الطفلة التي لم تلوّثها دهاليز الشهرة.

شيرين، كما يعرفها جمهورها، فنانة لا تهتم كثيرًا ببريق الواجهة ولا تطارد عدسات المصورين، بل تعتمد كليًا على موهبتها الاستثنائية وصوتها الآسر الذي يلامس القلوب دون عناء. لا تُعير اهتمامًا لوزنها، ولا تضع الأناقة في مقدمة أولوياتها، فثقتها نابعة من إيمانها بأن الموهبة وحدها كافية، وهو ما أثبتته سنوات من التألق والتربع على عرش الغناء العربي.

في زمنٍ تحكمه حسابات التسويق، وتُدار فيه النجومية من خلف الستار بعقول شركات الإعلان وخبراء الترويج، تبقى شيرين عبد الوهاب على فطرتها... لا تُجيد ارتداء الأقنعة، ولا تسعى لتصدر "الترند"، ولا تعرف المجاملة المصطنعة. ومن هنا تحديدًا جاء حب الناس لها، حب حقيقي خالٍ من الشروط، لأنها ببساطة تُغني من القلب وتُشبههم.

وفي كل مرة تجد نفسها وسط عاصفة إعلامية أو أزمة مفتعلة، لا يكون السبب سوى عفويتها الزائدة أو ثقتها بمن لا يستحق. فهي لا تعرف كيف تتخفى وراء جدار من البرود، ولا تُحسن الرد على الإساءة بالإساءة، بل تبقى كما هي: صادقة، تلقائية، وصاحبة قلب نقي.

ورغم أن شيرين لم تتقن لعبة "النجومية" بمفهومها الحديث، إلا أنها أتقنت ما هو أهم: أن تُغني للوجدان، وأن تلمس مشاعر الملايين، وأن تبكيهم وتضحكهم بصوتها فقط، دون مؤثرات أو بهرجة.

ولعل ما تحتاجه شيرين اليوم – لا تغيّرًا في شخصيتها – بل فقط القليل من "فن الهمبكة" على سبيل الوقاية؛ أن تختفي أحيانًا، وأن تتأنى في الكلام، وأن تهتم بمظهرها وصحتها، وأن تُحسن اختيار من يحيط بها، فهي لم تعد فقط فنانة، بل رمزًا لجيلٍ آمن بأن الإحساس أقوى من كل أدوات التجميل.

شيرين عبد الوهاب تملك ما لا يمكن شراؤه أو تصنّعه: موهبة من ذهب، وقلب من نور. وهذا وحده كفيل بأن يخلدها في ذاكرة الفن العربي كواحدة من أنقى الأصوات وأصدق القلوب.

أختتم مقالى برسائل وصلتنى من جمهورك يقولون فيها،أنتِ لستِ مجرد صوت؛ أنتِ التجسيد الحيّ لمعنى "الإحساس" عندما يتحول إلى نغمة، والدليل الأبلغ على أن الصدق الفني لا يُستعار ولا يُصنع بل يُولد مع من يستحق.

نحبك، لا لأنك فقط تُطربيننا، بل لأنك حين تغنين، نسمع أنفسنا، نسمع ما لم نجرؤ على قوله، كل آهة منكِ تسكن أعماقنا، وكل نبرة في صوتك تُربّت على وجع فينا لم يعرفه أحد سواكِ.

يا شيرين، لقد وهبك الله صوتًا فيه حنين وطن، ودفء أم، وصدق عاشقة، صوتًا لا يُشبه إلا ذاته، ولا يُشبه إلا مصر،نُحبك لأنك لا تعرفين الزيف، ولا تجيدين ارتداء الأقنعة، نُحبك لأنك لستِ ابنة المهرجانات ولا صنيعة الحملات،أنتِ ابنة الفن النقي، الفن الذي يبقى حين يتساقط الزيف.

جمهورك، يا شيرين، ليس جمهورًا عابرًا،إنه جمهور يرى فيكِ مرآته، ويُدرك أن الفن ليس حنجرة ذهبية فحسب، بل روح تشعّ من الداخل، نحن الذين ندافع عنكِ حين يخطئ العالم في فهمك، وننتظركِ كما يُنتظر الغائب العزيز،نحن الذين نعرف أن في قلبك جراحًا، وفي صوتك شفاءً لنا جميعًا، فأبقِ كما أنتِ، لا تنحني لعواصف، ولا تتراجعي أمام من لا يفهمون المعنى حين يغني، شيرين لكِ من قلوبنا بيعة حب لا تنقض، ومن أرواحنا دعوات أن يحفظك الله، لأنك ببساطة، "شيرين عبد الوهاب" التي لا تُشبهها أحد.