بوابة الدولة
بوابة الدولة الاخبارية

الأديبة شيماء غريب تكتب : مـا مـحبة إلا بعـد عـداوة

الأديبة شيماء غريب
-

عبارة غريبة كثيراً ما كنا نسمعها منذ الصغر .. حينما كنا نتبادل السحجات والكدمات والخدوش في شجارنا ونحن نلعب مع أولاد الجيران أو في فسحة مدرسة ابتدائية أو مع أخواتنا في المنزل.. حيث كان الكبار يرددون تلك العبارة دوماً أثناء فض التشاجر وبذل محاولات الصلح بيننا.. فكانوا يقربوننا من بعض لنتبادل قبلات الجبين والابتسامة تعود لتصلح ما افسدته القسوة والحركات البهلوانية التي كانت قبل قليل.. وعندما كان يري الكبار ابتسامتنا العريضة الخجولة كانوا يفرحون ويتنهدون ويقولون «ما محبة إلا بعد عداوة»

ولكنه الزمن الذي أبهر الجميع بمهاراته في تبديل وتحويل كل شئ... فأصبحت هذه العبارة بالنسبة للكثيرين موضع استغراب واندهاش، فكيف للعداوة التي تكمن القلوب وتتصلب داخل الشرايين أن تنصهر وتذاب مرة أخري وتتحول إلي حب بالحرارة والعواطف؟ ، وكيف للحبيب الذي عاش يمنح ويعطى ويتفاني في العطاء والتضحية أن يتحول فجأة لعدو قاسي يجعلك تكره الحياة وتراها مظلمة حالكة بعدما كان هو نورها وحلو مذاقها؟ .

أيها المفكرون.... أيها القراء.. أيها العقلاء.. أيها المفسرون .. ما مدي صحة هذه العبارة...؟! أرهقني هذا المثل الشعبي ..«ما محبة إلا بعد عداوة ».. أي محبة هذه التي تولد من رحم الخلاف والتشاجر والكره والعتاب والتوبيخ. والإذلال ...؟! هل لابد من أن ندخل مختبر فيه تُخلط دماؤنا بمشاعرها الممزوجة. لنعرف أيهما سينتصر الحب أم العداوة؟! ومن سيبدأ فيهما.. ومن سيتبعه؟!

عبارة في الأساس تحوي كلمتان متضادتان يؤكدان المعني ويوضحه ويبرزه.. ويرسخان فكرة أن الخلاف ممكن أن يتحول لحب.. لكني أملك شخصية رافضة تماماً لمثل هذه العبارة..
فكيف يسلم قلبي لمن عداه... كيف يحلو لساني بعذب الكلمات من جديد مع من جرحني أو جرحته بألفاظ حادة... كيف أصُّدق من جديد شخص اتهمنى بصفات وعابنى بعيوب.. كيف يكون بيننا مرة أخري طبق شهي يجمعنا بعد أن أذاقنا بعض مُر المذاق في غضبنا؟ أي محبة وأي قُبلة وأي حديث هذا الذي يلبي والقلب عاصٍ متمرد في حالة ذهول من هول عداوتهم.

منحت هذا المثل الشعبي كثير من الفرص ربما يعلمني شئ أو يلقني دروساً في الصبر.. وأجد أن النهايات افضل كما يدعي ويقول أن الخلاف ليس النهاية بل ربما يكون بداية علاقة جديدة.... لكنه في كل مرة كان يضيف لقلبي رصيد من البغض والخوف منهم ويلقن قلبي دروساً في الحياة....
عذراً أيها المثل الكاذب... أعلن رفضى التام لك... وأعلنها لك غير مبالية لمشاعرك بالمرة... لم تعد المثل الذي أؤمن به.. فمَثلي هو «من حبنا حبناه وصار متاعنا متاعه... ومن كرهنا كرهناه يحرم علينا اجتماعه»
و ها أنا يا رفاق... الحب رأس مالي وكنزي أعطيه لمن يستحق... وأطلبه ممن أجده يستحق..