5 ندوات للجنة العليا للدعوة تختتم بها أسبوع الدعوة التاسع بالجامع الأزهر

اختتم الأزهر الشريف أمس، فعاليات الأسبوع الدعوي التاسع، الذي نظمته اللجنة العليا للدعوة بمجمع البحوث الإسلامية، تحت شعار "القيم الإسلامية حصن الأوطان ونبض الاستقرار"، وأقيم الأسبوع الدعوي في رحاب الجامع الأزهر خلال الأسبوع الأول من شهر أغسطس، واستضاف نخبة من كبار العلماء الذين أثروا الندوات بموضوعات حيوية تناولت الوسطية والاعتدال، واليقين، والإخاء والإيثار، والأمانة والمسؤولية، وأهمية حفظ الأوطان.
افتُتح الأسبوع بندوة عن "الوسطية والاعتدال"، حيث أكد فضيلة الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، أن الأزهر الشريف سيظل منارة علم وهداية، موضحا أن الإسلام دين وسطي معتدل، جاء ليُحقّق التوازن في الحياة، كما أن الشريعة الإسلامية لا تفارقها صفة التيسير، مبينا أن تجربة الأزهر الشريف في تعليم المذاهب الفقهية الأربعة، تمنح العقل سعة أفق، ما يجعل اختلاف العلماء رحمة بالأمة، لأن التنوع المذهبي المنضبط يُعزّز من رسوخ المنهج الوسطي.
من جانبه، أكد الدكتور محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، أن الوسطية ليست مجرد خيار فكري، بل هي انسجام مع الفطرة الإنسانية، وأن الغلو والتطرف، هو انحراف عن المنهج الإسلامي، موضحا أن المنهج الإسلامي يجمع بين العنصرين الأساسيين في تكوين الإنسان: الروحية الراقية، والمادية المعتدلة، فلا يُغلب جانبًا على حساب الآخر، بل يُحقّق التوازن بينهما.
وفي ختام الندوة، قال فضيلة الدكتور حسن يحيى، أمين اللجنة العليا للدعوة، إن الدين هو القيم على كلِّ القيم الحاكمة، لأنه لا يخضع للأهواء، لافتًا إلى أنَّ «الوسطيّة والاعتدال»، لهما دور في إصلاح المجتمع، لهذا جاء الخطاب القرآني بالوسطية، ففي جانب الأكل والشرب قال تعالى:« وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا»، وفي الإنفاق قال تعالى:« وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا » وفي جانب الوجدان قال تعالى: «وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ» وحتى في المشية والكلمة قال:«وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ»، لذلك فالوسطيَّة هي المتسقة مع الفطرة، والتطرف والغلو أمراض حذَّر منها القرآن، لذلك تعد هذه القيمة في الدراسات الاجتماعيَّة من القيم الأساسيَّة في تحقيق الاستقرار، كما أن تطبيقها ليس ترفًا ندعو إليه، وليست خيارا فلسفيًّا نطرحه، بل ضرورة وجوديَّة أكدتها معايشة أحوال الأمم السابقة.
تطرقت ندوة أخرى إلى "اليقين وأثره في تحقيق الأمن النفسي والمجتمعي"، حيث قال الدكتور حسن يحي، أمين اللجنةالعلياللدعوة، إن اليقين يحمي الإنسان من الاضطراب؛ إذ إن الإنسان المضطرب لا يبني وطنًا، وقد اتخذ أعداء الأَمَّة من التشكيك في ثوابت الدين وقيمه وسيلة لهدم الأوطان، ومن ثمَّ فإنَّ اليقين بالله عز وجل ليس طرحًا فلسفيًّا، بل ضرورة وجوديَّة لهذه الأُمَّة، لأن اليقين قيمة دينيَّة تمثل لنا حصانة، تحمينا من الذوبان، أو الغياب عن المشهد الحضاري، فيقيننا بأننا «خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ» يستنهض فينا القوة للحفاظ على هذه المكانة، مضيفا أننا عندما نقول إن القيم الإسلاميَّة حصن الأوطان لا نقول ذلك من فراغ، بل من يقيننا بالطرح الإسلامي المستمد من القرآن وتطبيقات السنة التي أسست المجتمع الأمثل للمسلمين، مشيرا إلى أن الأمراض النفسيَّة، يرجع سببها لغياب قيمة اليقين، الذي يمنحنا القدرة على مواجهة التحديات، وقد ترجم لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قيمة اليقين بقوله: «مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا»، إنَّه اليقين الذي به تتجاوز الأُمَّة محنها، وبه تعيد الأُمَّة مجدها.
من جانبه، أوضح الدكتور أشرف شعبان، أستاذ الدعوة بجامعة الأزهر، أن اليقين له ثلاث مراتب: علم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين، وأن الوصول إليه يكون عبر التدبر والتفكر في آيات الله ومخلوقاته، مبينا أن الإنسان حتى يصل إلى اليقين ينبغي عليه أن يأخذ بالأسباب، وأن يكون كثير الذكر والتسبيح والحمد والعبادة متدبرا لآيات الله تبارك وتعالى، حيث أن التفكر والتدبر والتأمل في هذا الكوكب العظيم، وما أوجد الله فيه من مخلوقات توصل العقل الصريح والقلب السليم إلى اليقين الجازم بربوبية وألوهية الخالق العظيم -سبحانه وتعالى.
وأضاف الدكتور حمدي الهدهد، عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات، أن اليقين هو أعلى مراتب الإيمان، ومكانه القلب، وهو أساس الطمأنينة النفسية والاستقرار، مؤكدًا أن غياب اليقين يؤدي إلى الاضطراب والقلق والشك.
في ندوة عن "فضل الإخاء والإيثار"، أكد الدكتور عبد الفتاح العواري، العميد الأسبق لكلية أصول الدين، أن الإيثار هو أساس بناء الأخوة الصادقة التي تخلق مجتمعًا مثاليًا قائمًا على المودة والمحبة، مضيفا أن هذا النوع من الأخوة والمحبة إنما هي من فطرة الإنسان السوي، وعلينا التمسك بالإيثار والإخاء، وغرسهما في النفوس، ليكون الناس جميعًا إخوة في الله، تجمعهم المحبة ويربطهم التراحم.
من جانبه، شدد الدكتور صلاح السيد، مدير عام الدعوة بالأزهر، على أن الإخاء والإيثار من أهم ركائز استقرار المجتمع، مذكِّرًا بمثال الأنصار الذين آثروا المهاجرين على أنفسهم، في صورة تجسد أسمى معاني التكافل والتراحم التي أسسها الإسلام، فكانوا بحق أهلًا لثناء الله عز وجل، لافتًا أن المجتمع الإسلامي اليوم في حاجة ماسّة لإحياء هذه القيم في النفوس، لتقوى أواصر المحبة، ويعمّ الاستقرار، ويسود الوئام بين أفراده.
كما قال الدكتور حسن يحيى، أمين اللجنة العليا للدعوة، إن للمجتمع قوة مادية تتمثل في سلاحه ومؤسساته واقتصاده، وقوة معنوية تتمثل في قيمه وأخلاقه، وأنَّ أعداءنا يعملون على هدم القوتين معًا، فيشككونا في قواتنا المسلحة ويضخمون من قوة عدونا، ويتنكرون لمؤسساتنا ويضعِّفون قدرتنا الاقتصاديَّة، ويعملون على هدم قيمنا فيسوقون لنا الانحلال الخلقي، والعري، والتفسخ الاجتماعي، والأنانيِّة، وبغيتهم من ذلك هدم الأوطان، واستباحة أرضها وديارها ومقدساتها؛ لذلك وجب التنبيه على هذه المخططات، وهو ما يؤكد أهمية الحفاظ على منظومة القيم التي تضمن استقرار الوطن، وتحقِّق أمنه، وتحمي المجتمع من الانهيار.
تناولت ندوة رابعة موضوع "الأمانة والمسئولية"، أكد خلالها فضيلة الدكتور محمود الهواري، الأمين العام المساعد للدعوة والإعلام الديني، أن الأمانة خلق جوهري في الإسلام، وأنها لا تقتصر على الوديعة، بل تشمل الأمانة في القول والعمل والأوطان، موضحًا أن المسلم كما يُطالَب بالصلاة والزكاة والصيام والحج، يُطالَب كذلك بطهارة القلب وحُسن الخلق والسلوك، مبينا أن النبي ﷺ كان نموذجًا للأمانة في كل حالاته: في السلم والحرب، في الغضب والرضا، فاستحق لقب "الصادق الأمين" حتى قبل بعثته، موضحًا أن من صور الأمانة: أمانة العرض والكلمة، حيث قال ﷺ: "لا إيمان لمن لا أمانة له"، مؤكدًا أن التخلق بالأمانة ضرورة في كل موقع ومجال.
من جانبه، أوضح الدكتور أيمن الحجار، الباحث بهيئة كبار العلماء، أن الأمانة تكليف إلهي، وأن التفريط فيها ظلم للنفس وللناس، مشددًا على أن اللسان والأسرة والعلم والأوطان كلها أمانات في أعناقنا يجب رعايتها والحفاظ عليها، وحق الأوطان الحفاظ عليها والتصدي لمن يسعى لإضعافها بأفكار مغلوطة أو مدمرة.
اختُتم الأسبوع بندوة عن "حفظ الأوطان من مقاصد الشريعة"، أكد خلالها الدكتور حسن يحيى أن الحفاظ على الوطن ليس مجرد شعارات تُرفع، بل هو التزام بأعمال تُنجز، وقيم تُوظف من أجل نهضته، والتراث الإسلامي يقدم رؤية من القرآن الكريم والسنة النبوية لبناء الوطن، ترتكز على ستة أسس هي: دين متبع، ووطن ذو سيادة، وأمن عام، وعدل شامل، وخصب دائم، وأمل فسيح، مبينا أن محبة الوطن تستوجب تطبيق هذه الرؤية والعمل على تدعيم أركانها، كلٌ في مجاله، مضيفا أن الترابط بين الكليات الخمس حفظ (النفس، والعقل، والدين، والمال، والنسل) وحماية الأوطان واضح، ولذلك فإن أي اعتداء على هذه الكليات يُعد اعتداءً على الوطن بحد ذاته، ومن هنا تتجلى عظمة قيم الإسلام في كونها حصنًا للأوطان ومصدرًا للاستقرار، موضحا أن الحفاظ على الوطن يكمن في تنمية ثرواته وصونها، مشيرا إلى أن من أساسيات الحفاظ على الوطن حماية منظومة القيم التي تحصن المجتمع أخلاقيا وسلوكيا، لذلك ضمنت القيم الإسلامية بناء مجتمع راقي ومتحضر.
من جانبه، قال الدكتور علي مهدي، أمين سر هيئة كبار العلماء، إن الشريعة أقامت للوطن جملة من الأحكام، فوجدنا أحكاما كرخص الصلاة والصيام للمسافر، وتلك المتعلقة بالذكاة، مشيرا إلى النبي صلى الله عليه عبر عن حبه لوطنه فقال: "وَاَللَّهِ إنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ"، وهو ما يعني أن الدين ليس بديلا للوطن ولا الوطن بديلا للدين، بل هما جناحان لأمة سوية مستقرة، مشيرا إلى أن حب الوطن فطرة جبل عليها المصريون، لذلك لا تجد من يضحي بنفسه من أجل الحفاظ على الآخرين، مثل المصريين، هذا المشهد البطولي الذي يتكرر في العديد من المواق، والذي يدل على عمق إيمان هذا الشعب.
جدير بالذكر، أن أسبوع الدعوة التاسع، هو أحد الفعاليات، التي تشرف عليها وتنظمها اللجنة العليا للدعوة بمجمع البحوث الإسلامية، والتي تهدف من خلالها إلى تعزيز دور الأزهر كمركز إشعاع فكري وديني، إضافة إلى التأكيد على أهمية القيم الإسلامية كحصن منيع للمجتمع.