الكاتب الصحفى عبدالناصر محمد يكتب : أطلقوا رصاصات الرحمة أفضل على مرضى الأورام !!

ما يحدث مع المرضى المترددين على المستشفيات الحكومية فاق حد التصور .. الإهمال واللامبالاة والتجاهل للحالات المرضية من جانب المسئولين مفردات لا تتناسب مع حقيقة المأساة التى يعيشها هؤلاء المرضى الذين يتحملون عبء فاتورة الحكومة التى تعمدت الفشل حتى تزيل عن عاتقها مسؤولية هذه المستشفيات وتتجه نحو تأجيرها كما جرى للعديد من هذه المستشفيات العامة.
منذ بضع أيام وصلتنى رسالة من إمراة مهمومة مكلومة تعانى من مرض السرطان وحالتها تنطبق على نحو ٤٥٠ ألف حالة مصابة بهذا المرض الخطير حسب إحصاءات وزارة الصحة تؤكد أنها كانت تصرف علاج الأورام بإنتظام كل شهر من مستشفى كلية طب عين شمس " الدمرداش " ولكنها بدأت تعانى من عدة أشهر من عدم صرف العلاج وأصبحت مطالبة بشراؤه على نفقتها الخاصة وهو الأمر الذى لا يمكن تحمله خاصة وأنها مطلقة وليس لها مصدر رزق وتعيش بالكاد على معاش تكافل وكرامة الذى تنفقه على أولادها وغير قادرة على تحمل نفقات العلاج باهظ الثمن ، ورغم أن مستشفى الدمرداش لم يصيبها طاعون التأجير للأجانب مثب بعض المستشفيات الأخرى إلا أنها تعانى من طاعون آخر أصابها بالوهن والضعف وهو الإهمال والتخاذل والتوقف عن صرف العلاج الذى أقرته الدولة على نفقتها لهؤلاء المرضى كما هو الحال فى باقى المستشفيات الحكومية الأخرى.
مئات الآلاف من المرضى يعانون من تردى الأوضاع فى تلك المستشفيات التى لم يعد لديها القدرة على توفر أصناف الدواء لجميع المرضى و لكن تظلّ معاناة مرضى الأورام السرطانية هى الأخطر، نظرا لأن تأخير العلاج أو فقدان الأدوية يعرض حياتهم للخطر.
حالة أخرى لرجل مسن يعانى من أورام سرطانية فى الرئتين والكبد ذهب للعلاج بمستشفى قصر العينى لم يحصل على حقوقه العلاجية قبل أن يستخرج له قرار علاج على نفقة الدولة وهو القرار الذى تأخر بعض الأيام فظل الرجل محجوزا فى المستشفى بدون تلقى أى علاج وقد تسبب هذا التأخير فى تأخر حالته مما جعل أحد الأطباء ينصح أهل المريض بالعودة به إلى المنزل كى يقضى أيامه الأخيرة بين أحضان عائلته ، نظرا لأن تأخر صدور قرار العلاج تسبب فى إنتقال الخلايا السرطانية من الكبد إلى أغشية الحجاب الحاجز والرئتين، وأنه لا جدوى من بقاءه في المستشفى، إذ لن يظل حياً لمدة طويلة، لا سيّما أنّ جرعات العلاج الكيماوى المقرّرة له أوشكت على النفاذ ولن يكون لبقائه في المستشفى أيّ فائدة.
على أبواب معهد ناصر الذى يشهد تطويرا غير مسبوق وسيتحول إلى صرح طبى شامخ يقف أحد الشبان من مصابى سرطان الأمعاء من محافظة الشرقية ، لتلقي العلاج في رحلة تتكرر كل أسبوعين، وكثيراً ما يفاجئ بعد انتظار لساعات بطلب عودته في يوم آخر بسبب عدم توافر جرعات الدواء التي يحصل عليها، أو لعدم وجودها على الإطلاق ما يؤخر علاج حالته ويحولها إلى مرض مستعصٍ مع انتشار الورم من جديد.
في مشهد متناقض، نشرت وزارة الصحة بيانات على صفحاتها بمواقع التواصل الاجتماعي، تظهر أنها وضعت نظاماً جديداً ينظم عمليات الكشف وصرف الأدوية والعلاج في مستشفى "هرمل" بمنطقة دار السلام مؤكدة أن العلاج المجانى متاح للمواطنين كافّة
لكن الواقع يكشف أن المستشفى العام الشهير تم تأجيره إلى مركز طبى خاص يحمل اسم "مستشفى جوستاف روسيه الدولى"، وبات يقبل علاج عدد محدود من المرضى بالمجان، في مقابل امتياز خاص يمنحه إدارة المركز الطبى الحكومى لمدة 30 عاماً، وتشغيله وفقاً لأسعار السوق الحرة.
كل حالة من تلك الحالات التى يكفل لها الدستور العلاج على نفقة الدولة تتعرض لمأساة شديدة القسوة ، وكل مريض من هؤلاء المرضى مكبل بسلسلة هائلة من الطلبات من أجل ضمه إلى قوائم الانتظار، وإذا ما نجح في الحصول على قرار علاج من جهة ما، يبدأ رحلة البحث عن مستشفى تؤويه أو تتحمل عنه تكاليف الفحص المتكرّر، والتشخيص المنتظم، والتي لا تشملها قرارات التأمين الصحى، فإذا لم ينته المريض من تلك الفحوص خلال فترة زمنية لا تزيد عن شهرين، قبل حصوله على جرعات الأدوية المطلوبة، فعليه أن يعيدها، مرة أو مرات أخرى ، دون مبالاة بتطوّر المرض.
آلاف المرضى يتزاحمون يومياً في المستشفيات التي تعالج الأورام، وأشهرها الأورام السرطانية، وهؤلاء الذين يحقّ لهم العلاج عبر أنظمة تشمل التأمين على نفقة جهات العمل، أو التأمين الطبي للعاملين بالدولة، مع آخرين غير مشمولين بأي غطاء تأميني ولكنهم فى لايجدون الدواء.
وبمنتهى التبجح تبرّر وزارة الصحة بطء الإجراءات بتزايد أعداد المصابين بالسرطان، الذين تخطو 135 ألف حالة جديدة تسجل سنوياً، بينما يقدر العدد الإجمالي، وفق أرقام العام الماضى بنحو 450 ألف مريض، وتبلغ تكلفة علاج المريض الواحد في المتوسط ما بين 120 ألف إلى 500 ألف جنيه سنوياً حسب مزاعم مسئولى وزارة الصحة.
ويشكك أطباء الأورام في امتلاك الوزارة أيّ إحصاءات واقعية حول أعداد مرضى السرطان، مؤكدين أن هناك صعوبة فى رصد الأعداد في ظل عدم توفر نظام طبي يشمل المواطنين كافّة يمكّن من تتبع الحالات.
وأشاروا إلى أن تزايد أعداد المصابين بالأورام السرطانية بأنواعها التي تزيد عن نحو ألفى نوع، ويتزامن ذلك مع التراجع الواضح في الصحة العامة، وتغير النظم الغذائية، وتفشي التلوث البيئى ، فى ظل عدم وجود متوسط ثابت لتكلفة علاج مريض السرطان، فإنّ بعض الحالات تحتاج إلى علاج يكلف المريض 10 ملايين جنيه، ومريض آخر يمكن أن يشفى بعلاج لا يزيد عن 5 آلاف جنيه، وحسم التكلفة يكون عبر تشخيص الحالة، وكلما كان التشخيص مبكراً، كان العلاج أسرع، وأقل تكلفة.
وقالوا أن التعنت من جانب المسؤولين يجعل أغلب مرضى السرطان يتجهون نحو الموت البطيء في رحلة انتظار العلاج على نفقة الدولة، أو تحديد مسار العلاج بإحدى المستشفيات العامة، وذلك بسبب تقلص ميزانية علاج المواطنين، والنقص الحاد في أدوية السرطان، وأدوية علاج الأورام والأمراض المستعصية عموماً موضحين أن تحكم (هيئة الشراء الموحّد) في المشتريات، وقيامها بتحديد السعر من دون القدرة على مساءلتها، إضافة إلى تحصيلها قيمة مشتريات الأدوية من الشركات الخاصة من دون أن تستوردها وفقاً للمواعيد المتفق عليها مع منتجي الأدوية والموزعين تسبب فى حدوث فوضى واسعة في سوق الدواء، وتعرض المرضى والمستشفيات إلى عجز شبه دائم في أصناف الدواء، مع ارتفاع كبير في الأسعار يحول دون قدرة المواطنين وشركات التأمين والمستشفيات على تحملها.
لقد زادت أحوال هؤلاء المرضى سوءا فى ظل الظروف المعيشية الصعبة وأصبح من الأفضل لهم أن تقوم الحكومة بإطلاق رصاصات الرحمة عليهم لتنقذهم من رحلات العذاب اليومية!!.
كاتب المقال الكاتب الصحفى عبدالناصر محمد مدير تحرير بوابة الدولة الإخبارية والخبير المالى والإقتصادى