الكاتب الصحفى صالح شلبى يكتب : تسجيل المكالمات جريمة عقوبتها الحبس.. وفتنة تشتعل من داخل البيوت!

في زمنٍ صار فيه الهاتف أداة تواصل وسلاحًا في آنٍ واحد، يظهر بيننا من اتخذ من تسجيل المكالمات فخًا قذرًا للإيقاع بالناس، وتشويه السمعة، وبث الشك، والفرقة، وإشعال نيران الفتنة بين الإخوة والأصدقاء وزملاء العمل، بل وأحيانًا بين أهل البيت الواحد.
لم نعد نتحدث عن حالات فردية شاذة، بل عن ظاهرة مستترة، تسللت إلى تفاصيل الحياة اليومية، بأيدٍ مأجورة أو نفوس مريضة، أو - وما هو أخطر - بأيدٍ ترفع شعارات الدين، والأخلاق، والستر، ثم تطعن الناس من خلفهم، تسجل، وتقص، وتقتطع، وتُرسل لتُوقِع.
حين تتحول الأخوات إلى أدوات فتنة!
المصيبة تصبح مضاعفة حين تكون هذه الأفعال صادرة من "الأخوات" – ممن يُفترض فيهن الستر والنية الطيبة والنصح بالمعروف. ما الذي حدث لتتحول بعض من كُنّ قدوة في الأخلاق إلى عيون تترصد، وآذان تتجسس، وألسنة تفتري؟
أي موعظة تبقّت؟ وأي دينٍ ذاك الذي يسمح بتسجيل مكالمات خاصة دون إذن، ثم استخدامها في التشهير أو التحريض أو الوقيعة؟
كيف تفعلون ذلك، وأنتم من قمتم بزيارة الكعبة، وسجدتم في رحاب المسجد النبوي، ورفعتم أكفّ الدعاء عند باب الملتزم؟
أين انعكاس تلك الزيارة في قلوبكم؟ هل من سجد أمام الكعبة يخرج من بعدها ليسجل ويخون ويطعن؟ أهذه ثمرة الطهر أم أثر النفاق المقنع بقناع الدين؟
حسابكم عسير يوم القيامة لأنكم لم تحترموا عمرتكم، ولا قدّرتم شرف الوقوف أمام الكعبة، ولا عظمتم مقام النبي في مسجده، ثم رجعتم لتطعنوا الناس وتغدروا بهم وتزرعوا الفتنة بين القلوب
هذه ليست دعوة للستر فقط، بل نداء عاجل لليقظة. لأن ما يحدث اليوم لا يختلف كثيرًا عن خيانة موثقة بالصوت والصورة، وغالبًا ما تكون مبنية على انتقائية خبيثة، ومونتاج لا أخلاقي، ونيات مسمومة.
القانون لا يرحم.. لكن عقاب الآخرة أشد
وفقًا للقانون المصري، تسجيل المكالمات دون علم الطرف الآخر جريمة يُعاقب عليها بالحبس، وقد تصل العقوبة إلى ثلاث سنوات أو أكثر في حالة الاستخدام الضار للمحتوى أو نشره، بالإضافة إلى التعويض المدني، والتشهير العكسي.
لكن إذا كان القانون يردع في الدنيا، فماذا عن عقوبة الآخرة؟
قال رسول الله ﷺ: "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته، يفضحه ولو في جوف بيته" (رواه الترمذي)
فتخيل يا من تسجل وتخفي ثم تُرسل وتُوقع، أن الله نفسه يتتبع عورتك، ويكشفها، ويفضحك على رؤوس الأشهاد يوم لا ينفع مال ولا بنون.
أين الدين؟ أين النخوة؟ أين الأصل؟ - ما الذي بقي من الدين إن لم يكن الستر؟ - ما الذي بقي من المروءة إن كنا ننتظر عثرات بعضنا البعض لنخزنها في ملفات هاتفية نخرجها عند الحاجة ؟ - ما الذي بقي من الأخلاق إن صرنا نتاجر بالأسرار، ونفتح الأبواب للشياطين لتوسوس وتفعل فعلها القذر بين الناس؟
إن من يسجل ليوقع، لا يختلف كثيرًا عن الجاسوس - ومن يسجل ثم ينشر، لا يعرف من الإسلام إلا اسمه - ومن يفعل هذا وهو يعلم أثره، فهو مشارك في كل دمعة، وكل خصومة، وكل فتنة اشتعلت بسبب ما أرسل أو همس أو قص أو سرب.
كفى خيانة.. وكفى خداعًا باسم الدين
هذه دعوة صارخة لكل من وقع في هذا الفعل أو يفكر فيه:
توقف - راجع نفسك - فإن الله يسمع ويرى - والمظلوم لا يُنسى - ويوم القيامة آتٍ، والستر لا يُشترى، بل يُهدى، فإن هتكته عن غيرك، سُلب منك.
فى نهاية مقالى أقول الحياة أقصر من أن تُهدر في تصفية حسابات، وأخطر من أن نعيشها بلا ضمير، فإما أن نكون ممن يسترون ويُصلحون، أو نكون وقودًا للفتنة، وسجلًا مفتوحًا للعقاب في الدنيا والآخرة.