بوابة الدولة
بوابة الدولة الاخبارية

المهندس محمد عادل فتحي يكتب : رحلة إلى بيت الله.. سويعات في حضرة النور

المهندس محمد عادل فتحي
-

لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك - قضيت شهورًا أتحرق شوقًا وتلهفًا لزيارة بيت الله الحرام، أتقلب بين الشوق والدعاء، حتى جاء اليوم الموعود، وها هي الطائرة تُقلع من أرض قاهرة المعز، ليطوى الزمان وتطوى المسافات.

كانت الرحلة قصيرة في مدتها، لكنها ثقيلة بوقعها في القلب، ساعات مرت كأنها ثوانٍ، وروحي كلها متعلقة بتلك الأرض الطاهرة. وما إن وطئت قدماي أرض المدينة المنورة، حتى شعرت بطمأنينة لا توصف، كأنما حللت في دار الأمان، في مدينة رسول الله، وبين أطهر بقاع الأرض بعد مكة.

بدأت زيارتي من عند قبر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ثم مررت على سيدي أبي بكر الصديق، وعمر الفاروق رضي الله عنهما، ثم إلى البقيع الطاهر. تنقلت بين جنبات المدينة، أعيش مع أهلها الكرام، الذين لا تعرف بينهم الغربة، فقلوبهم عامرة بالمحبة، ووجوههم تشع صفاءً ونورًا.

تفرغت للصلوات في الروضة الشريفة، تلك البقعة المباركة التي قال عنها الحبيب المصطفى: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة"، شعرت وكأن الجنة اقتربت مني، أو كأني أنا اقتربت منها.

قضيت يومين في المدينة كانا من أعذب أيام حياتي، ثم انتقلت إلى مكة، إلى الكعبة المشرفة، إلى القلب النابض للمسلمين في كل بقاع الأرض.

وما إن اقتربت من مكة، حتى اعتراني شعور غريب، رجفة لم أعهدها، ورهبة لم أعرف مثلها من قبل. نسيت الدنيا وما فيها، نسيت البلد والولد، وتعلقت جوارحي كلها بسؤال واحد: كيف سيكون لقائي مع بيت الله الحرام؟
وما إن وقعت عيناي على الحرم المكي من بعيد، حتى انهمرت دموعي دون إرادة، وارتجف الجسد، وانطلق لساني يهتف بتلقائية:
لبيك اللهم لبيك... لبيك لا شريك لك لبيك...

يا له من مشهد مهيب، ويا لها من لحظة تختلط فيها العظمة بالخشوع. حشود من البشر من كل لون ولسان وهيئة، الأبيض والأسود، العربي والأعجمي، الطويل والقصير، الرجل والمرأة...
لكنهم جميعًا في حضرة واحدة، بلغة واحدة، بنداء واحد، يسعون إلى الله تائبين راجين رحمته، كأننا في مشهد من مشاهد الحشر، لا أحد يلتفت لغيره، الكل منشغل بنفسه، يطلب الغفران، ويجتهد في الطاعة، ويناجي ربّه بكل ما في القلب من ضعف وذل وتوبة.

في تلك الساعات، لم يكن هناك جوع ولا عطش، لا إحساس بمرور الزمن، فالوقت ينساب بين صلاة وتلاوة ودعاء، بين قراءة للسيرة وتأمل في كتب الفقه. كانت عمرة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، لا رحلة سفر، بل رحلة روح، وتقرب إلى الله، ومحو للذنوب، وبداية جديدة.

وخلال خلواتي بالدعاء، دعوت لأهلي وأحبتي، للأحياء منهم والأموات، دعوت بالنصر لبلدي الحبيب، ولمصرنا العزيزة، أن يحفظها الله من كيد الكائدين، وأن يسدد خُطى قائدها الرئيس عبد الفتاح السيسي، ويهديه لما فيه خير البلاد والعباد، وأن يكشف الله كل المؤامرات التي تُحاك في الظلام.

ودعوت من أعماق قلبي لأهل غزة الصابرين، أن يثبتهم الله، وينصرهم، ويجعل كيد العدو وأعوانه في نحورهم، وينتقم منهم، إنه القادر على كل شيء.

وسألت ربي أن يوحد كلمة المسلمين، ويجمع شملهم، ويزرع المحبة في قلوبهم، وأن نكون كما أمرنا الله: كالجسد الواحد، في كل أرض وتحت كل سماء.

أربعة أيام بين المدينة ومكة، لكنها حفرت في قلبي ما لا يمحى، كانت من أمتع وأطهر أيام حياتي، وصدق من قال: من دخل أرض الحرمين وهو مخلص، خرج منها إنسانًا آخر.