بوابة الدولة
بوابة الدولة الاخبارية

المستشار محمد سليم يكتب :أمريكا تشعل فتيل الحرب من جديد: من غزة إلى الدوحة

المستشار محمد سليم
-

في تطور خطير يعكس تصعيدًا غير مسبوق في سياسات القوة بالمنطقة، نفّذت إسرائيل، وبغطاء سياسي أمريكي واضح، هجومًا جويًا استهدف مقرًا لقيادات حركة "حماس" داخل العاصمة القطرية الدوحة، في سابقة خطيرة تنتهك قواعد القانون الدولي وتهدد أمن واستقرار دولة ذات سيادة.

لم يكن هذا الهجوم ليقع لولا الدعم الأمريكي الثابت والمطلق لإسرائيل، سياسيًا وعسكريًا، و"الصمت المتواطئ" من الإدارة الأمريكية التي لم تُدن العملية، بل اكتفت بتصريحات باهتة تشير إلى "أهمية ضبط النفس"، في وقتٍ تمارس فيه واشنطن أقصى درجات الضغط على الدول العربية لاحتواء ردود الفعل الغاضبة.

واشنطن... الراعي الرسمي لسياسة الاغتيالات

منذ اندلاع الحرب في غزة في أكتوبر 2023، بدا واضحًا أن الولايات المتحدة لم تكن راعي سلام، بل شريكًا فعليًا في الحرب. دعمت إسرائيل سياسيًا في المحافل الدولية، وأمدتها عسكريًا بأسلحة متطورة، وضغطت على الدول الأوروبية والأمم المتحدة لكبح أي قرارات تدين العدوان أو تطالب بوقف إطلاق النار.

وفي حادثة الدوحة، فإن الروايات المتداولة تشير إلى علم الإدارة الأمريكية المسبق بالعملية الإسرائيلية، وربما موافقتها الضمنية أو الصامتة، وهو ما يطرح تساؤلات جوهرية حول حجم الدور الأمريكي في إدارة مشهد الحرب من خلف الستار.

انتهاك صارخ للسيادة القطرية

لم تكن الضربة الجوية في قطر مجرد "عملية عسكرية نوعية" كما وصفها الإعلام الإسرائيلي، بل كانت صفعة دبلوماسية موجهة لدولة خليجية تمارس دورًا محوريًا في جهود الوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وبدلًا من أن تساند واشنطن جهود قطر ومصر في تحقيق التهدئة، سمحت (أو تغاضت) عن عملية تهدد بشكل مباشر مصداقية هذه الوساطات.

فما الرسالة التي أرادت واشنطن إرسالها من خلال هذا الصمت؟ هل هو تشجيع لإسرائيل على توسيع رقعة عملياتها خارج حدود فلسطين؟ أم أنه إعادة رسم لخريطة النفوذ في الشرق الأوسط بالقوة العسكرية بدلًا من الدبلوماسية؟

غزة تحترق... وأمريكا تواصل التسليح

في قطاع غزة، لا تزال النيران مشتعلة. أعداد الضحايا في ازدياد، والبنية التحتية المدنية مدمرة، والحصار قائم، وكل ذلك بدعم كامل من الولايات المتحدة التي استخدمت حق النقض (الفيتو) أكثر من مرة لمنع صدور أي قرار دولي يُدين إسرائيل أو يُطالبها بالالتزام بالقانون الدولي الإنساني.

بل أكثر من ذلك، ضخت واشنطن مساعدات عسكرية بمليارات الدولارات للجيش الإسرائيلي، مما مكّنه من مواصلة القصف دون هوادة، في تجاهل صارخ لمعاناة المدنيين الفلسطينيين، وللدعوات العالمية لوقف الحرب.

ازدواجية المعايير... من أوكرانيا إلى غزة

المفارقة المؤلمة أن الولايات المتحدة نفسها التي تدافع بشراسة عن سيادة أوكرانيا ضد روسيا، هي ذاتها التي تصمت بل وتدعم انتهاك سيادة دول عربية مثل قطر، وحق الشعب الفلسطيني في الحياة والحرية. هذه الازدواجية في المواقف تفضح زيف الشعارات الأمريكية حول الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتؤكد أن السياسة الأمريكية لا تخضع لمبادئ، بل لمصالح آنية ترتبط بالأمن الإسرائيلي والتحكم في مسارات الطاقة والتحالفات الإقليمية.

إلى أين يقودنا هذا النهج الأمريكي؟

إذا استمرت الولايات المتحدة في منح إسرائيل "شيكًا على بياض"، فإن الشرق الأوسط مقبل على مرحلة فوضى أمنية غير مسبوقة. فالرسالة التي تُرسلها واشنطن اليوم إلى المنطقة مفادها: من حق إسرائيل أن تضرب حيث تشاء، وتقتل من تشاء، وتنتهك سيادة الدول دون محاسبة، طالما أن الدعم الأمريكي في ظهرها.

وهذا النهج سيغذّي التيارات المتطرفة، ويقوّض أي جهود للسلام، ويضعف ثقة الشعوب العربية في مؤسسات القانون الدولي، ويدفع المنطقة بأسرها نحو مزيد من الانقسام والصراع المفتوح.

إن ما حدث في الدوحة ليس حادثًا عابرًا، بل جرس إنذار للمنطقة والعالم. لقد أصبح واضحًا أن واشنطن لم تعد وسيطًا نزيهًا، بل طرفًا متورطًا في دعم الاغتيالات، وتشجيع العدوان، وتمكين الاحتلال.

ما لم يُحاسَب هذا الدور الأمريكي، وتُرغم إسرائيل على احترام القانون الدولي، فإن السلام سيظل بعيد المنال، وستظل نيران الحروب مشتعلة، تبدأ من غزة، وتمتد إلى ما هو أبعد منها بكثير.

كاتب المقال المستشار محمد سليم عضو المحكمة العربية والامين العام المساعد للتنظيم بحزب الجبهة الوطنية وعضولجنة الشئونالدستورية والتشريعية بمجلس النواب السابق