الكاتب الصحفى محمود الشاذلى يكتب : الريف المصرى بين الحقائق الثابته والمفاهيم المغلوطه .

كثيره هى منعطفات الحياه ، التى عمقها وعورة الطريق ، لذا يتعين أن نحدث مراجعه لأنفسنا ، نناقش فيها أحوالنا ، ونطرح قضايانا حتى وإن كان المنطلق أمورا شخصيه لأنها تعكس وضع عام يتعايشه الناس جميعا خاصة فى ريف مصر ، فتتحول لقضيه عامه جديره بالتناول والبحث والدراسه ، عمق تلك الرؤيه لدى أننى أحيانا ألوم نفسى لأننى لم أستمع لنصيحة أستاذى الجليل والمؤرخ العظيم ومعلمى الفاضل الكاتب الصحفى الكبير والمؤرخ العظيم جمال بدوى الذى أدين له بفضل أستاذيته رحمه الله ، والتى فيها طلب منى عام 84 عندما إلتحقت للعمل كصحفى بجريدة الوفد أى قبل مايزيد على أربعين عاما مضت ، أن أرحل عن بلدتنا بسيون وأقيم بالقاهره ، وأتفرغ لإبداعاتى الصحفيه ، وأتعايش مع مجتمع الرأى والفكر وكبار المسئولين الذين لديهم كل الحقائق ، وعندهم كافة القضايا الجديره بالتناول ، وأن يكون تواصلى مع بلدتى بسيون كما يفعل عبر زيارات متفرقه ، لأن وجودى الدائم بها قد يشغلنى فيها أمورا كثيره عن عمق رسالتى الصحفيه النبيله نظرا لتشتت الذهن بالسفاسف من الأمور ، وهذا قد يضر بإبداعى ، كما وجه لى اللوم لرفضى إستلام شقه كان قد خصصها لى صديقى الدكتور محمد على محجوب وزير الأوقاف فى عمارات الأوقاف بميدان سفنكس بالمهندسين ضمن النسبه المقرره لمحررى شئون وزارة الأوقاف بالصحف المصريه من المغتربين كان مقدمها تسعة آلاف وخمسمائة جنيه لعدم رغبتى الإقامه بالقاهره ، وأصبح ثمنها الآن ملايين الملايين ، لكننى لم أستمع للنصيحة وآثرت أن أقيم ببلدتنا بسيون إلى اليوم ، لكن إخوتى إستمعوا لنصيحته أكرمه الله وغادروا بلدتنا ، وإبتعدوا عن وجع الدماغ ، الكاتب الصحفى الكبير فتوح الشاذلى مدير تحرير جريدة الوفد ومدير مكتب جريدة الوفد بالسعوديه ، والإعلامى السيد الشاذلى المذيع بالتليفزيون المصرى ومراسل التليفزيون المصرى لتغطية غزو أمريكا للعراق ، وكلاهما مقيم بمدينتى أحد الأحياء الراقيه بالقاهره ، والسعوديه .
لعل عذرى فى ذلك أننى أكثر من مره أثناء جلوسنا حوله وأبناء العمومه كلما قدم لبلدتنا أثنى رمز عائلتى بطل حرب اكتوبر الفريق سعد الدين الشاذلى على تمسكى بالإقامه ببلدتنا والسفر يوميا للقاهره ، مشيرا إلى تلك المغادره الكبيره لأهلنا للإقامه بالقاهره والإسكندريه ، متنبأ لى بأننى سأكون نائب بسيون بالبرلمان وذلك على خلفية إدراكه لما أبذله من جهد مع أهلنا ، لكننى على يقين أن سيادته لو أدرك مايحدث الآن وهذا التردى المجتمعى الغريب ، والمستوى الثقافى المتدنى ، وتلك الصراعات التى قطعت الأوصال بين أبناء بسيون لإتفق سيادته فى الرأى مع كاتبنا الكبير الأستاذ جمال بدوى .
تلك المعانى تقفز فى ذهنى فى تلك الأيام وبقوه ، إلى الدرجه التى معها كثيرا ماأسأل نفسى هل أخطأت عندما لم أستمع للنصيحه بالمغادره ، والتمسك بالتواجد وسط الناس ، ووفقنى الله تعالى بأن جعلنى سببا فى إحداث تغيير مجتمعى كبير ببلدتى بسيون حتى قبل أن أتشرف بعضوية البرلمان ، وذلك بما قدمته من خدمات عامه مثبته بالمستندات ، ومسجله فى كتاب للتوثيق ، وتعيين عشرة آلاف شاب فى شركات البترول ساعد فى ذلك شركات البترول الجديده التى تم تدشينها فى ذلك الوقت ، طبقا لرؤية الرائع والمحترم والخبير البترولى أخى الحبيب وصديقى الصدوق المهندس سامح فهمى وزير البترول ، وألفين بالكهرباء ، والضرائب ، والبيئه ، والمحكمه ، والإتصالات ، وضم معظم المساجد الأهليه ببلدتى بسيون المدينه والقرى والكفور والعزب لوزراة الأوقاف ، والذى معها تم تعيين عدد 2 عمال ومقيم شعائر فى كل مسجد تم ضمه ، ونقل جميع أئمة المساجد الذين تم تعيينهم بالصعيد والإسكندريه والقاهره لبلدتنا بسيون وكان عددهم كبير ومعظم هؤلاء على قيد الحياه ومن كل قرى المركز والمدينه .
مرجع ذلك هذا التردى الذى أتعايشه الآن فى ريف مصرنا الحبيبه حيث المولد والنشأه والإقامه ، وبات واقعا مؤلما والذى طال أحوال الناس حتى مفاهيمهم ، إلى الدرجه التى معها أدركت تنامى مرعب للأحقاد والكراهيات ، حتى الأخ الشقيق بات يحقد على شقيقه لأن أحواله المعيشيه تحسنت منذ أن عينته بأحد القطاعات خاصة البترول ، والجار بات يتمنى الشر لجاره ، وهذا الإنحطاط فى الألفاظ والجمل والمعانى التى أدركها فى تعليقات البعض على الفيس من قاطنى الريف الذى كان نبع القيم والأخلاق فيما مضى ، والذى بات يعظم للمساخر والإنحطاط الآن فى تجاهل تام من الأجهزه المعنيه لتلك الظاهره المريبه ، وكأن هناك من يعظم ذلك لينشغل الناس فى الريف بأحوالهم دون إدراك أن هذا النهج قد يولد إنحطاطا مجتمعيا بشعا يصل لدرجة أن يكون السباب والشتائم منهج حياه ، وساعتها سنقول يارحمن يارحيم على كل المجتمع ، لذا يتعين أن يدرك الجميع فى القلب منه كبار المسئولين أن مصر دوله عظيمه ، وشعبها يستحق أن يسود الإحترام كل أحواله ، وبها أجهزه يقوم على شأنها رجال بحق ، وليست جمهورية الموز الذى فيها يتم تعظيم المساخر .
خلاصة القول .. فى تقديرى لست مخطأ حيث أتصدى لتلك الظاهره المرضيه المريبه ، وحين ضحيت بالإقامه بالقاهره والمردود الكبير لذلك مجتمعيا ووظيفيا ، إنما بحق الله هناك حاجه غلط طالت المكون المجتمعى فى الريف ، حتى ضربته فى العمق ، مرجعها الكراهيات والأحقاد التى تسببت فيها تلك الحاله من الرحرحه ، إلى الدرجه التى معها الجار أصبح يصارع جاره عندما تحسنت أحواله ، والصديق لفظ صديقه لأنه أصبح له شأن وظيفى رفيع وهذا ليس ذنبى ، إنما مرجعه خلل طال الكيان الإنسانى ، وأحقادا دفينه عمقتها الحاجه ، وأفرزها الإحتياج ، الأمر الذى جعل منها قضيه يتعين على أطباء علم النفس وأساتذة علم الإجتماع أن يطرحوا تفسيرا لها بعد أن أصبحت ظاهره قد تعمق السلبيه وتقضى على نهج العطاء بالمجتمع .
الكاتب الصحفى محمود الشاذلى نائب رئيس تحرير جريدة الجمهوريه عضو مجلس النواب السابق .

