الكاتب الصحفية أمال ربيع تكتب : حين يغيب المستشار محمد سليم.. تغيب معه السياسة بثوبها الوطني

عندما يغيب المستشار محمد سليم عن المشهد السياسي، فقل على الدنيا السلام، لا لأن السياسة فقدت مجرد نائب برلماني أو فقيه دستوري، بل لأنها فقدت قيمة وطنية نادرة في زمن اختلط فيه الصالح بالطالح، وارتفع فيه صوت المتاجرين بالوطن فوق صوت الأوفياء الذين لا يبتغون إلا رفعة مصر وصون كرامتها.
المستشار محمد سليم، عضو اللجنة الدستورية والتشريعية، ورجل القانون المتمرس، لم يكن يومًا مجرد رقم في قاعة البرلمان أو اسمًا عابرًا على منصة التشريع، بل كان – ولا يزال – رمزًا لسياسي وطني من طراز فريد، يجمع بين صرامة القاضي، وحكمة المشرع، وذكاء رجل الدولة، وشجاعة المدافع عن قضايا وطنه في الداخل والخارج.
كيف يغيب؟ وبأي منطق نقبل ذلك؟
سؤال يفرض نفسه حين نفكر في رجل جاب أرجاء العالم ليكون صوت مصر في مواجهة الأعداء، حين كانت الحملات تهل علينا من كل حدب وصوب، يختلقون الأكاذيب، ويشوهون الإنجازات، ويحاولون ضرب ثقة الشعب في قيادته. في تلك اللحظات الحرجة، لم يتردد المستشار محمد سليم لحظة في الصعود إلى كل منصة، وفي دخول كل ساحة داخل مصر وخارجها ليقول كلمة حق: "مصر ليست ضعيفة.. وقيادتها ليست وحدها".
والحقيقة أنه لم يكن مجرد متحدث؛ بل كان صوتًا مؤثرًا وضميرًا حيًا وجد في نفسه واجب الدفاع عن الوطن فوق كل اعتبار، حتى صار مرجعًا للجاليات المصرية في الخارج. فهو النائب الوحيد الذي لم يكتفِ بلقاء الجاليات المصرية، بل أصر على أن يلتقي كذلك بالجاليات النوبية خارج الحدود، ليؤكد للجميع أن المصريين بكل أطيافهم ولغاتهم ولهجاتهم هم جسدٌ واحد، يجمعهم حب الوطن والولاء للرئيس عبد الفتاح السيسي.
رجل ذو مسيرة تشريعية لا تتكرر
من أين يبدأ الحديث عن رجل خدم قضايا مصر في البرلمان على مدى أكثر من عشرين عامًا؟ هل نبدأ من دوره في الدفاع عن حقوق الفئات المهمشة؟ أم من مواقفه المُشرفة في دعم استقلال القضاء؟ أم من حضوره الطاغي في اللجان النوعية، حيث لم يكن عضوًا عابرًا، بل عقلًا مدبّرًا ورأيًا مرجِّحًا؟
المستشار محمد سليم لم يكن صوت المعارضة ولا الموالاة، بل صوت الوطن، وحين يأتي الحديث عن الوطن، يصمت الجميع. لقد وقف في كل محفل برلماني ليدافع عن سيادة الدولة المصرية، وعن دستورية مواقفها، وعن عدالة سياساتها، متسلحًا بخبرات قانونية فذة، ومنطق يفرض احترامه قبل أن يطلبه.
ليس قاضيًا فقط.. بل خبيرًا في هموم الوطن كلها
ولأن المستشار محمد سليم لم يكن يومًا أسير عباءته القضائية فحسب، بل كان صاحب رؤية شاملة وخبرة متعددة الجوانب، فقد أثبت كفاءة وحضورًا لافتًا في قضايا الزراعة وهموم المزارع المصري، رأيناه مرارًا يقف كالأسد داخل أروقة البرلمان مدافعًا عن محصول قصب السكر، ذلك الذهب الأخضر الذي يُعد شريان الحياة لآلاف الأسر في صعيد مصر، وهو من أبرز الملفات التي خاضها بكل اقتدار، لم يكن دفاعه مجرد كلمات أو بيانات، بل كان صوتًا عمليًا يحرك الحكومة ويوقظ الضمائر من أجل حق الفلاح الذي لا يطلب سوى حياة كريمة.
ولم يتوقف الأمر عند حدود الزراعة؛ فالمستشار محمد سليم، رغم خلفيته القانونية الرفيعة، أثبت أنه خبير في قطاعات الصناعة والاقتصاد، قارئ جيد لأدق تفاصيل السياسة المالية للدولة، ومحلل دقيق لمشكلات المصانع الإنتاجية وأعباء المستثمرين. فهو ذلك النموذج الفريد لرجل الدولة الشامل، الذي يجمع بين حكمة القاضي، وفهم الفلاح، ووعي الاقتصادي، ما يجعله حالة وطنية نادرة لا ينبغي أن تغيب.
ليس غيابه إلا فراغًا لا يُسد
حين يغيب المستشار محمد سليم، يغيب معه تاريخ طويل من الشرف والنزاهة والعمل الوطني، يغيب القاضي الذي عرف كيف يربط بين حرفية القانون ومصلحة الوطن، يغيب رجل الدولة الذي لا يساوم ولا يزايد، يغيب صوت نادر في زمن صار فيه الصوت الخافت هو الصدق، والصوت العالي هو المتاجرة.
إن عودة المستشار محمد سليم إلى المشهد السياسي ليست فقط أمنية شخصية، بل ضرورة وطنية، فالمشهد الذي يعج بالوجوه العابرة والمواقف المؤقتة بحاجة إلى رموز قادرة على إعادة البوصلة إلى اتجاهها الصحيح، رموز تُذكِّر الجيل الجديد بمعنى أن تكون نائبًا عن الشعب بحق، لا نائبًا عن المقاعد أو المصالح.
التاريخ لا يكتب بالكلمات، بل بالمواقف، والمواقف لا تتكرر إلا مع رجال قلائل، والمستشار محمد سليم واحد من هؤلاء. لقد كان – ولا يزال – أحد أسوار الدولة في الداخل والخارج، وهو الذي آمن بأن الدفاع عن الوطن يبدأ من الكلمة، ويعلو بالفعل، ويتجلى في الصدق مع النفس ومع الناس.
في زمن نحتاج فيه إلى أصوات نقية، وإلى وجوه تعيد الثقة إلى قلوب الناس، يبقى السؤال قائمًا: كيف يغيب المستشار محمد سليم؟ وما الذي ينتظر المشهد ليفيق من غيبوبته؟
مصر تحتاج أبناءها المخلصين، والمستشار محمد سليم في مقدمتهم، لأن الغياب في حقه ليس غياب رجل، بل غياب مرحلة كاملة من الوطنية والنزاهة والوعي التشريعي والاقتصادي العميق.
كاتبة المقال الكاتبة الصحفية أمال ربيع مدير تحرير مؤسسة أخبار اليوم .. ومدير تحرير موقع بوابة الدولة الاخبارية

