بوابة الدولة
بوابة الدولة الاخبارية

الكاتب الصحفى عبدالناصر محمد يكتب : عدوى الغلاء تصيب سوق الدواء !!

الكاتب الصحفى عبدالناصر محمد
-

الأزمة تلو الأخرى تلاحق المنظومة الصحية فى مصر .. فالمريض حين تتدهور حالته لا يجد سرير خالى فى الرعاية المركزة فى أى مستشفى حكومية ، حتى الأطفال حديثى الولادة الذين تتطلب حالتهم توافر حضّانة لم يسلموا من المعاناة وكثير منهم يُستخرج له تصريح بالدفن قبل أن تُحرر له شهادة ميلاد.
لم تقف المأساة عند هذا الحد بل وصل الأمر إلى أن المرضى أصبحوا يواجهون معاناة شديدة بسبب عدم توافر الأدوية المناسبة لحالاتهم حيث تشهد الأسواق فى الوقت الحالى إختفاء نحو ٢٥٠ صنفا من الأدوية المختلفة على رأسها أدوية الأورام والمناعة والذئبة الحمراء والروماتويد وبعض أنواع الأنسولين وأدوية الكلى والقلب وضمور العضلات ، والغريب أن أصناف عديدة من الأدوية إختفت من الأسواق على الرغم من أن أسعارها إرتفعت ، وهو الأمر الذى يعكس السياسة الإحتكارية التى تمارسها الشركات المنتجة.
والعجيب أنه أصبحت هناك لأول مرة سوق سوداء للدواء فى مصر وأن من له علاقات مع حيتان الصيادلة يمكنه توفير بعض الأصناف المطلوبة ، ورغم هذه المعاناة التى تؤثر بالسلب على حالة السواد الأعظم من المرضى فإن الصدمات لم تتوقف عند هذا الحد بل تعالت أصوات شركات الأدوية فى الفترة الأخيرة للمطالبة بزيادة الأسعار مجددا بنسبة لا تقل عن ٣٠ % بحجة التأثير السلبى الذى تتعرض له هذه الشركات فى الوقت الحالى عقب قرار الحكومة الأخير برفع أسعار الوقود حيث يزعم مسئولى تلك الشركات أنه لم يعد لديها القدرة على إنتاج عشرات الأصناف بسبب إرتفاع تكلفتها نتيجة زيادة أسعار البنزين والكهرباء وأجور العمال ، مهددين بإختفاء نحو ٥٠ صنف جديد من الأسواق يضافون إلى ال ٢٥٠ صنف المختفية بالفعل ، وهذا الأمر يكشف أساليب الشركات المنتجة فى التعامل مع المرضى حيث أن الهدف من هذا الإختفاء المتعمد لبعض الأصناف هو تعطيش السوق ومن ثم زيادة أسعار هذه الأصناف من جديد عقب إعادة إنتاجها.
وما يؤكد أن هذه الشركات تستغل حالة الفوضى التى تسيطر على سوق الدواء فضلاً عن إستغلالها لحالة الغيبوبة التى دخلت فيها الحكومة التى تركت السوق سداح مداح أن الأسعار طرأ عليها زيادات تاريخية تراوحت بين ٤٠ و ٧٠ % عندما نفذت الحكومة أوامر صندوق النقد الدولى وقامت بتعويم الجنيه فى مارس الماضى مما أدى لإرتفاع سعر الدولار إلى نحو ٥٠ جنيها ، وحين تراجع سعر الدولار أمام الجنيه خلال الفترة الأخيرة ووصل سعره فى بعض الأوقات إلى ٤٧ جنيها فقط فلم يتجه مؤشر أسعار الأدوية نحو الإنخفاض ولو بهوامش بسيطة ولم تخرج حناجر مسئولى شركات الأدوية لتطالب بخفض أسعار العديد من أصناف الأدوية متبعين سياسة أن السلعة التى يرتفع سعرها لا مجال لإنخفاض ثمنها مرة أخرى رغم أن السبب الذى أدى لإرتفاع الأسعار هو نفسه السبب الذى يجعلنا نطالب بخفض هذه الأسعار ، ولكن التخاذل الحكومى وترك الحبل على الغارب لتلك الشركات بالهيمنة على السوق وعدم التدخل فى الأمر سوى بالتأييد المطلق بالزيادات غير المنطقية والتى من خلالها تحقق الشركات أرباح خيالية على حساب مرضى لا حول لهم ولا قوة كان له الدور الرئيسى فى سقوط هذه السوق الحيوى فى أيدى مجموعة من أباطرة الإحتكار.
ولا شك أن هذا الخراب المستعجل الذى يحدث بين الحين والآخر فى سوق الدواء يرجع إلى سياسة التفريط فى الشركات الوطنية التى اتبعتها الحكومة فى السنوات الأخيرة وتنازلها عن حصص كبيرة فى معظم الشركات العامة بحجة أن ذلك نوع من الإستثمار ، غير أنه فى حقيقة الأمر بيع صريح لمقدرات الدولة وتفريط فاضح لصروح وطنية وشركات ذات طابع إستراتيجى كانت تلعب دور كبير فى حدوث توازن فى الأسعار وتمنع السياسات الإحتكارية للشركات الخاصة والأجنبية العاملة بالأسواق المحلية وكان لها بُعد إجتماعى هدفه توفير العلاج للمرضى بأسعار مناسبة غير مغالى فيها.
الأمر يتطلب تدخل عاجل من جانب الأجهزة المسئولة لمنع الممارسات الخطيرة التى تمارسها شركات الأدوية والتى لها أكبر الأثر فى إختفاء العديد من الأدوية من الأسواق.
كاتب المقال الكاتب الصحفى عبدالناصر محمد مدير تحرير بوابة الدولة الإخبارية والخبير المالى والإقتصادى