في ذكرى رحيله.. محمود عبد العزيز «ساحر السينما المصرية» جمع بين الموهبة والهيبة

تحل اليوم ذكرى رحيل الفنان الكبير محمود عبد العزيز، أحد أبرز نجوم الفن في مصر والعالم العربي، وصاحب المسيرة الثرية التي امتدت لأكثر من أربعة عقود، قدم خلالها عشرات الأعمال التي تنوعت بين الكوميديا والدراما والرومانسية والإثارة، ليبقى أحد أكثر الفنانين اكتمالًا في تاريخ السينما المصرية.
البداية من الإسكندرية.. من طالب زراعة إلى نجم شباك
وُلد محمود عبد العزيز محمود في 4 يونيو عام 1946 بحي الورديان بمدينة الإسكندرية، وسط أسرة مصرية بسيطة التحق بكلية الزراعة في جامعة الإسكندرية، وهناك بدأت ملامح موهبته الفنية تتشكل داخل فريق المسرح الجامعي، حيث قدم عددًا من العروض التي لفتت الأنظار إلى قدراته التمثيلية.
بعد تخرجه، حصل على درجة الماجستير في تربية النحل، لكنه لم يجد نفسه في المجال العلمي، إذ كانت الكاميرا والمسرح يجذبان قلبه أكثر من أي شيء آخر.
ومن خلال بوابة التلفزيون، كانت البداية الحقيقية عندما شارك في مسلسل "الدوامة" عام 1973، إلى جانب النجوم محمود ياسين ونيللي، ليصبح وجهًا مألوفًا للجمهور المصري.
انطلاقته السينمائية.. وصعود نجم جديد في السبعينيات
جاءت الانطلاقة الحقيقية لـ محمود عبد العزيز في السينما عام 1974 من خلال فيلم "الحفيد"، الذي حقق نجاحًا جماهيريًا كبيرًا.
ومع نهاية السبعينيات، أصبح أحد أبرز الوجوه الشابة على الشاشة، وشارك في عدد من الأفلام الرومانسية والاجتماعية التي رسخت مكانته، مثل "حتى آخر العمر"، و"وادي الذكريات"، و"كفاني يا قلب".
وفي الثمانينيات، بدأ التحول الكبير في مشواره الفني، حيث تخلى عن أدوار الشاب الوسيم ليقدم شخصيات أكثر عمقًا وتنوعًا، أكسبته احترام النقاد وحب الجمهور على السواء.
مرحلة النضج والتوهج.. من العار إلى الكيف وإبراهيم الأبيض
تُعد فترة الثمانينيات والتسعينيات المرحلة الذهبية في مسيرة محمود عبد العزيز، حيث قدم خلالها أعمالًا أصبحت من كلاسيكيات السينما المصرية.
ففي فيلم "العار" (1982) جسّد شخصية الطبيب الذي ينزلق في طريق تجارة المخدرات، وفي "الكيف" (1985) قدّم واحدة من أعظم الثنائيات في تاريخ السينما مع يحيى الفخراني، حيث جمع بين الكوميديا والنقد الاجتماعي في أداء بارع لا يُنسى.
كما برع في تقديم الشخصيات المركبة والمعقدة مثل أفلام "البريء"، و"البرئ من الخطيئة"، و"القبطان"، و"سوق المتعة"، و"إبراهيم الأبيض" الذي عاد به إلى الشاشة في الألفية الجديدة بثقل وخبرة الأسطورة التي لا تنطفئ.
الساحر في الدراما.. من "رأفت الهجان" إلى "جبل الحلال"
لم يقتصر تألق محمود عبد العزيز على السينما فقط، بل صنع تاريخًا خاصًا في الدراما التلفزيونية، أبرزها المسلسل الأسطوري "رأفت الهجان" الذي عُرض في أواخر الثمانينيات.
أداؤه في شخصية الجاسوس المصري رفعت الجمال كان ملحمة وطنية وإنسانية جعلت منه بطلًا في قلوب الملايين، وأحد أهم رموز الدراما العربية على الإطلاق.
وفي عام 2014، عاد بقوة إلى الشاشة الصغيرة من خلال مسلسل "جبل الحلال"، الذي قدم فيه شخصية رجل الصعيد الغامض ذي الكاريزما الخاصة، ليؤكد أن حضوره لا يبهت مهما مر الزمن.
حياة خاصة هادئة خلف الأضواء
تزوج محمود عبد العزيز في بداية حياته من السيدة جيجي زويد، وأنجب منها ولدين هما كريم ومحمد محمود عبد العزيز، وكلاهما يعمل في المجال الفني.
وفي نهاية التسعينيات، تزوج من الإعلامية بوسي شلبي، التي كانت رفيقة دربه حتى آخر أيامه.
ورغم شهرته الواسعة، عرف "الساحر"بتواضعه وهدوئه، وابتعاده عن الصراعات الفنية.
كان قريبًا من زملائه وجمهوره، يرفض الغرور ويؤمن بأن "التمثيل رسالة قبل أن يكون شهرة".
الرحيل الحزين.. نوفمبر يبكي الساحر
رحل محمود عبد العزيز عن عالمنا في 12 نوفمبر 2016 بعد صراع قصير مع المرض داخل أحد مستشفيات القاهرة، عن عمر ناهز 70 عامًا.
شيع جثمانه من مسجد الشرطة بالشيخ زايد وسط حضور كبير من نجوم الفن والإعلام والجمهور، الذين ودعوه بالدموع والدعاء، ودفن بمسقط رأسه في الإسكندرية.
إرث خالد لا يمحى
على مدار أكثر من أربعين عامًا، قدّم محمود عبد العزيز أكثر من 90 فيلمًا و15 عملًا دراميًا، تنوعت بين الرومانسية والكوميديا والسياسة والإثارة، واحتفظ خلالها بمكانة فريدة في ذاكرة الجمهور.

