دكتورة ميادة محمود تكتب :الاقتصاد الأخضر فرص جديدةللاستثمار والعمل للشباب

لم يعد الحديث عن التنمية المستدامة ترفاً فكرياً أو شعاراً سياسياً، بل أصبح ضرورة وجودية تفرضها تحديات المناخ والاقتصاد والمجتمع. العالم يتغير بسرعة، ومن لا يتبنّى نهج الاستدامة سيتراجع إلى الخلف، بينما الأمم التي توازن بين النمو الاقتصادي، والعدالة الاجتماعية، وحماية البيئة هي التي ستقود المستقبل.
وفي خضم التحولات الاقتصادية الكبرى التي يشهدها العالم اليوم، لم يعد النجاح يُقاس فقط بالأرباح أو معدلات النمو، بل بقدرة الاقتصاد على الاستمرار دون استنزاف الموارد الطبيعية أو الإضرار بالبيئة. من هنا وُلد مفهوم الاقتصاد الأخضر، الذي يجمع بين الربحية والاستدامة، ويمنح الدول والشباب معًا فرصة حقيقية لبناء مستقبل يوازن بين التنمية والحياة.
لقد تغيّرت المعادلة: الربح لم يعد وحده الهدف، بل أصبح السؤال الأكثر أهمية هو: كيف نحقق النمو دون أن ندمر الكوكب الذي نعيش عليه؟
ما هو الاقتصاد الأخضر؟
الاقتصاد الأخضر هو نظام اقتصادي يسعى لتحقيق النمو المستدام عبر الاستخدام الكفء للموارد الطبيعية، وخفض الانبعاثات الكربونية، وتحفيز الابتكار في مجالات الطاقة والزراعة والصناعة. إنه ليس نوعًا جديدًا من الاقتصاد، بل تطور طبيعي لاقتصاد أكثر عدلاً ومسؤولية.
في الاقتصاد الأخضر: تُستثمر الأموال في الطاقة النظيفة بدل الوقود الأحفوري، وتُعتبر النفايات موردًا وليست عبئًا، وتُقاس قيمة المشروع ليس فقط بما يربحه، بل بما يوفره من وظائف ويحافظ عليه من موارد.
لماذا هو مهم اليوم أكثر من أي وقت مضى؟
1. لأن التغير المناخي أصبح واقعًا ملموسًا.
2. لأن الاقتصاد التقليدي لم يعد قادرًا على الاستمرار.
3. ولأن الشباب يبحثون عن فرص عمل ذات معنى.
الاقتصاد الأخضر في مصر والعالم العربي
شهدت مصر خلال السنوات الأخيرة تحولات جذرية في سياساتها البيئية والاقتصادية. ففي أسوان، أصبح مشروع "بنبان للطاقة الشمسية" من أكبر المحطات في العالم بطاقة إنتاجية تتجاوز 1.6 جيجاوات، موفّرًا آلاف فرص العمل للشباب. أما في السويس والعين السخنة، فقد بدأ الاستثمار في الهيدروجين الأخضر، الذي يُعد وقود المستقبل. وفي مجال إدارة المخلفات، أطلقت الحكومة مشروعات لتحويل القمامة إلى طاقة، وشجعت الشركات الناشئة على الاستثمار في إعادة التدوير.
العالم العربي بدوره يتقدم بخطوات ثابتة: الإمارات استثمرت في مدينة "مصدر"، والسعودية أطلقت "مبادرة السعودية الخضراء"، والمغرب أصبح من الدول الرائدة في الطاقة المتجددة عبر محطة "نور" العملاقة للطاقة الشمسية. كل هذه النماذج توضح أن التحول الأخضر ليس رفاهية... بل مسار اقتصادي جديد.
مجالات الاستثمار والعمل في الاقتصاد الأخضر
الطاقة المتجددة: من أكثر القطاعات نموًا في العالم، وتشمل تركيب الألواح الشمسية ومحطات الرياح والهيدروجين الأخضر.
إدارة المخلفات وإعادة التدوير: تحويل القمامة إلى مصدر دخل أصبح من أنجح الأفكار الاقتصادية.
الزراعة الذكية مناخيًا: باستخدام التكنولوجيا لترشيد استهلاك المياه وزيادة الإنتاجية.
النقل المستدام: التحول نحو السيارات الكهربائية والدراجات الذكية.
البناء الأخضر: تصميم المباني لتكون موفرة للطاقة والمياه أصبح شرطًا في المدن الذكية.
الشباب... قلب التحول الأخضر
الشباب هم القوة الدافعة في هذا التحول، ليس فقط كعمال أو موظفين، بل كمبتكرين ومبادرين. أطلقت مصر عدة حاضنات أعمال خضراء مثل "Innovate Green"، كما توفر برامج دولية مثل UNDP وEBRD تمويلاً ومنحًا للمشروعات الصغيرة المستدامة.
رؤية مصر 2030
ضمن استراتيجية التنمية المستدامة 2030، تستهدف مصر رفع نسبة المشروعات الخضراء إلى 50% من إجمالي الاستثمارات العامة ، وتقليل الانبعاثات الكربونية بنسبة 33% في قطاع الكهرباء، ودعم المشروعات الصغيرة في مجالات الزراعة والطاقة والنقل المستدام.
الاقتصاد الأخضر ليس مجرد بديل للنظام التقليدي، بل هو نظام حياة جديد يضع الإنسان والطبيعة في قلب التنمية. إنه يمنح الشباب العربي فرصة ليكون جزءًا من الحل، لا من المشكلة؛ فرصة لبناء اقتصاد أكثر إنسانية واستدامة. فالمستقبل لن يكون لمن يملك الموارد فقط، بل لمن يعرف كيف يحافظ عليها ويجعل منها مصدرًا للنمو والحياة.
الكاتبة : باحث فى مجال التنمية المستدامةأمين أمانةالتنميةالمستدامة والبيئة محافظة الشرقية حزب الجبهة الوطنية

