المستشار محمد سليم يكتب: هل يكفي بطلان 19 دائرة انتخابية عودة الثقة لدى المصريين؟

هل إعلان اعادة الانتخابات في 19 دائرة يشفي غليل الشارع المصري؟ وهل يصدق المواطن أن هناك 51 دائرة أخرى في 7 محافظات أخرى أجريت فيها الانتخابات بشفافية ونزاهة؟
هذا السؤال يفرض نفسه بقوة على كل مصري تابع أحداث الانتخابات الأخيرة، التي كشفت حجمًا غير مسبوق من المخالفات الانتخابية، وأظهرت هشاشة العملية السياسية، وأثارت غضب الشارع واهتزت معها صورة الدولة أمام الرأي العام. لم تعد هذه المخالفات مجرد أخطاء شكلية يمكن التغاضي عنها، بل تحولت إلى ممارسات فجة تهدد جوهر الانتخابات نفسها. التلاعب بالقوائم، وشراء الولاءات، وعمليات تزكية شبه كاملة حسمت نصف المقاعد قبل أن يصل الناخبون إلى صناديق الاقتراع، كلها ممارسات أثبتت هشاشة القوانين أمام الطمع والمصالح الضيقة.
في محاولة لاحتواء الأزمة، أعلنت الدولة إعادة الانتخابات في 19 دائرة تابعة لـ7 محافظات، لكن هذا الإعلان أثار تساؤلات حادة: هل يكفي هذا الإجراء لتهدئة الغضب الشعبي واستعادة الثقة؟ وهل يصدق المواطن أن 51 دائرة أخرى في نفس المحافظات جرت فيها الانتخابات بشفافية كاملة ونزاهة مطلقة؟ الواقع يقول إن مجرد تعديل شكلي لن يعالج عمق الأزمة، وأن الشكوك ما زالت تحيط بالنزاهة العامة للعملية الانتخابية.
المخالفات التي ظهرت لم تقتصر على حالات محدودة، بل امتدت لتشمل ضغوطًا على المرشحين، وشراء ولاءات، ودفع منافسين للانسحاب لصالح أسماء بعينها، والتلاعب بكشوف الناخبين، وتزكيات جعلت نصف المقاعد محسومة قبل التصويت. هذه التجاوزات تكشف خللًا هيكليًا في صميم العملية الانتخابية، يهدد صورة الدولة ويغذي الغضب الشعبي، ويترك المواطنين أمام صورة شكلية للعملية السياسية لا تعبّر عن إرادة حقيقية.
تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي جاء كصفعة قوية لكل من اعتقد أن الانتخابات يمكن أن تُدار وفق المصالح الضيقة والولاءات المشبوهة. الرئيس لم يكتف بالتعبير عن انزعاجه، بل أرسل رسالة واضحة: لن يُسمح بتمرير أي انتخابات تُفرغ من نزاهتها، ولن يتم السكوت عن التلاعب بالقوائم أو شراء المقاعد أو تزكيات تحسم نصف النتائج قبل أن يذهب الناخبون للصناديق. حتى لو اقتضى الأمر إلغاء نتائج بعض الدوائر بالكامل وإعادة الانتخابات فيها، فلن يتردد في اتخاذ القرار لضمان أن تكون إرادة الشعب هي الحكم، وليس مصالح فئة صغيرة. والرسالة الأهم: لا نريد عودة برلمان عز، الذي كان سببًا في العديد من الأزمات التي تعرضت لها مصر. هذه الرسالة الصارمة تضع كل الأطراف على المحك: إما احترام قواعد اللعبة السياسية، أو مواجهة إجراءات حاسمة تعيد الأمور إلى نصابها وتعيد الثقة للمواطنين.
الغضب الشعبي ليس عبثًا، فالمواطن يرى صورًا انتخابية مشوهة، لا تعبّر عن المنافسة الحرة، ولا عن إرادة حقيقية، وإنما عن تزكيات مشبوهة، وبيع مقاعد، وإلغاء تأثير الناخبين. وفي الوقت نفسه، لا يمكن تجاهل أن المخالفات طالت 7 محافظات أخرى، وهو ما يجعل الأزمة أوسع بكثير من مجرد دوائر محددة، ويضع الدولة أمام اختبار حقيقي: هل ستحل الأزمة بعمق، أم ستظل مجرد ترقيعات تؤجج الشكوك وتزيد الغضب الشعبي؟
العملية الانتخابية في مصر اليوم على مفترق طرق: بين التزام الدولة بحماية نزاهتها وبين محاولة المرور من الأزمة بشكل شكلي يرضي الإعلام فقط. المواطن يراقب كل خطوة، ويرى أن أي معالجة جزئية لن تعيد الثقة، بل ستزيد الإحباط. إعادة الانتخابات في 19 دائرة خطوة صحيحة، لكنها ليست كافية، فلا يمكن إصلاح النظام الانتخابي بأقنعة شكلية بينما الجوهر ما زال ملوثًا بالتزوير والتلاعب.
وفي هذا السياق، تبدو
الرسالة الرئاسية واضحة: لا مجال لتكرار هذا المشهد مرة أخرى، ولا بد من إجراءات حقيقية تعالج جوهر المشكلة، بدءًا من مراجعة القوانين الانتخابية، مرورًا بمحاسبة المخالفين، وصولًا إلى حماية إرادة الناخبين. الأيام المقبلة ستكون حاسمة، وستحدد هل ستظل العملية الانتخابية مجرد شكل، أم ستصبح مرآة حقيقية لإرادة الشعب المصري.
المشهد الحالي ليس اختبارًا للعملية السياسية فقط، بل اختبارًا لمصداقية الدولة أمام شعبها وأمام العالم، وفي انتظار الخطوات القادمة، يبقى السؤال الأبرز: هل ستنجح مصر في استعادة نزاهة الانتخابات، أم ستظل صور انتخابية مشوهة تخيف المواطن وتغذي الشكوك؟

