د ميادة محمود تكتب -الاقتصاد الأزرق كنز المحيطات الذي سيغيّر مستقبل مصر والعالم العربي

في عالم يزداد ازدحامًا وتقل فيه الموارد على اليابسة، تتجه أنظار المفكرين وصنّاع القرار إلى مساحة شاسعة ظلت لسنوات طويلة خارج الحسابات التنموية ألا وهى المحيطات والبحار. هنا حيث يمتد الكوكب بأكثر من 70% من مساحته، يبرز “الاقتصاد الأزرق” ليس كقطاع اقتصادي جديد فقط، بل كثروة مستقبلية هائلة يمكن أن تغيّر مسار التنمية في الدول الساحلية، وتعيد صياغة مكانتها الاقتصادية والغذائية والطاقة.
لقد أصبح الاقتصاد الأزرق اليوم أحد أسرع المسارات نموًا في العالم، وجزءًا أساسيًا من جهود الأمم المتحدة لتعزيز التنمية المستدامة، لأنه يفتح آفاقًا غير محدودة في الغذاء والطاقة والنقل والسياحة والموارد الطبيعية.
ما هو الاقتصاد الأزرق؟
الاقتصاد الأزرق هو كل نشاط اقتصادي يعتمد على المحيطات والبحار والأنهار والمسطحات المائية بطريقة تحافظ على استدامتها، ويوازن بين الاستثمار والاستغلال الرشيد للموارد والحفاظ على الأجيال القادمة.
يشمل مجالات ضخمة مثل:الثروة السمكية وتربية الأحياء المائية ،النقل البحري والتجارة الدولية ،السياحة الساحلية والبيئية، الطاقة البحرية (الأمواج – المد والجزر – الرياح البحرية)،التحلية المستدامة،إدارة الشواطئ ،البحث العلمي البحري وأيضا التعدين البحري.إنه ليس قطاعًا اقتصاديًا فحسب، بل رؤية استراتيجية لإدارة أكبر مصادر الكوكب.
لماذا أصبح العالم يتحدث اليوم عن الاقتصاد الأزرق ؟
لأن البحر لم يعد مجرد مشهد جميل، بل أصبح مصدرًا رئيسيًا لمعالجة مشكلات عالمية بل اصبح مصدر ضخم للغذاء العالمي حيث ان أكثر من 3.3 مليار إنسان يعتمدون على الأسماك كمصدر رئيسي للبروتين،و*ثروة طاقة غير محدودة* متمثلة فى الأمواج، المد والجزر، الرياح البحرية، وايضا شريان التجارة العالمية حيث أن ما يقرب من 90% من التجارة العالمية تنتقل عبر البحر، ما يجعل تطوير الاقتصاد البحري ضرورة أمن قومي.
ويعد الاقتصاد الأزرق فرص استثمارية ووظائف مستقبلية فمن المتوقع أن يخلق الاقتصاد الأزرق 40 مليون وظيفة عالميًا بحلول 2030 كما أنه عامل أساسي في مواجهة التغير المناخي حيث أن المحيطات تمتص 30% من انبعاثات الكربون وتخفض من آثار الاحتباس الحراري.
مصر والاقتصاد الأزرق… دولة يحدّها المستقبل من جميع الجهات
تمتلك مصر أكثر من 3000 كيلومتر من السواحل على البحرين الأحمر والمتوسط، إضافة إلى نهر النيل وبحيرة ناصر ومئات البحيرات التي تشكل ثروة هائلة.
تٌعد مصر من أكبر دول العالم في الاستزراع السمكى ،قناة السويس شريان الاقتصاد الأزرق العالمي واحدة من أهم طرق التجارة البحرية في العالم، وتشارك في حركة 12% من التجارة الدولية والمنتجعات المصرية على البحر الأحمر من الأفضل عالميًا، وتمثل قاعدة ذهبية للسياحة البيئية كذلك الطاقة البحرية بالبحر الأحمر والمتوسط تمثل فرصة استراتيجية للطاقة النظيفة. و مشروعات تطوير البحيرات مثل بحيرة المنزلة والبردويل، التي أصبحت نموذجًا لاستعادة الأصول البيئية وتحويلها إلى مصدر اقتصادي مستدام.وأيضا التحلية المستدامة.
كل هذه الموارد تجعل مصر مؤهلة لتكون مركزًا إقليميًا للاقتصاد الأزرق في الشرق الأوسط وأفريقيا.
العالم العربي… إمبراطورية بحرية غير مُستغلّة
يمتلك الوطن العربي إمكانات بحرية ضخمة من الخليج إلى المحيط مايقرب من العربي أكثر من 23 ألف كيلومتر من السواحل ، مع نماذج ناجحة في الإمارات رائدة في تطوير الموانئ العالمية، وتبني أكبر مشاريع السياحة البحرية، و مشروع "نيوم" بالسعودية يقدم نماذج متقدمة للمدن الساحلية المستدامة،و تطويرالموانئ الاستراتيجية فى عمان وأيضا الصيد المستدام فى المغرب وتونس.
التحديات...كل كنز له حُرّاسه
مثل أي اقتصاد ناشئ، يواجه الاقتصاد الأزرق عدة تحديات أبرزها:
الصيد الجائر،التلوث ،نقص التكنولوجيا البحرية و فقدان التنوع البيولوجي وضعف الاستثمار في البحث العلمي.
توصيات لتعزيز الاقتصاد الأزرق عربيًا ومصريًا- تعزيز الصيد المستدام
كيف نجعل البحر موردًا لا ينفد؟ ببساطة عن طريق:توسيع مبادرات الصيد المستدام ،زيادة الاستثمار في الطاقة البحرى و تحسين إدارة الموانئ وتطوير النقل البحرى وتحفيز السياحة البيئية الساحلية وتوسيع تربية الأحياء المائية بطرق مستدامة وكذلك دعم الأبحاث البحرية والجامعة الزرقاء وأيضا تشجيع شركات التكنولوجيا على ابتكار حلول بحرية.
إن الاقتصاد الأزرق ليس مجرد خيار تنموي جديد، بل هو المستقبل الحقيقي للدول التي تمتلك سواحل وبحارًا وأنهارًا. ومن لا يدرك قيمة المحيط اليوم، سيفقد موقعه في اقتصاد الغد. إن المحيطات ليست حدودًا جغرافية…بل حدودًا اقتصادية هائلة تنتظر من يملك الجرأة والرؤية لاستثمارها بشكل مستدام. وفي عالم يبحث عن مصادر غذاء نظيفة، وطاقة متجددة، وتجارة آمنة، يصبح البحر هو العمود الفقري للتنمية القادمة، والاقتصاد الأزرق هو الفرصة الذهبية التي قد تغيّر موقع مصر والعالم العربي على الخريطة الاقتصادية الدولية.
لقد حان الوقت لاكتشاف الكنز الأزرق… قبل أن يكتشفه غيرنا.
الكاتبة
باحث فى مجال التنمية المستدامة
مدرس الميكروبيولوجى
استشارى التغذية العلاجية
أمين أمانة البيئة والتنمية المستدامة محافظة الشرقية

