امال ربيع تكتب : المستشار محمد سليم.. رجل دولة بصوت المزارع ووعي التشريع

رجال الدولة الحقيقيون لا تصنعهم العناوين، بل تصنعهم المواقف، ولا يُقاس حضورهم بعدد الكلمات، بل بعمق الأثر. وهم قلة نادرة، يُعدّون على أصابع اليد، يحملون همّ الوطن ويدافعون عن الشعب المصري العظيم في أصعب اللحظات. ومن بين هؤلاء يبرز المستشار محمد سليم، عضو المحكمة العربيبة لفض المنازعات بين الدول ،وعضو اللجنة الدستورية والتشريعية بمجلس النواب السابق، كأحد النماذج التي جمعت بين الحكمة، والخبرة، والانحياز الصادق لمصالح الناس والدولة معًا.
على مدار عشرين عامًا تحت قبة البرلمان، قدّم المستشار محمد سليم نموذجًا متكاملًا للنائب الذي يفهم طبيعة دوره، فجمع بين النائب الخدمي القريب من المواطنين، والنائب التشريعي القادر على الصياغة القانونية الرصينة، والنائب الرقابي الذي يمارس مساءلته بمسؤولية دون تهور أو مزايدة. ولم تكن تلك الأدوار منفصلة، بل متداخلة في رؤية واحدة تعتبر البرلمان مؤسسة دولة لا ساحة صخب.
وفي قلب العمل التشريعي، كان للمستشار محمد سليم دور محوري بوصفه أحد الأعمدة الرئيسية في إعداد وصياغة اللائحة الداخلية لمجلس النواب، تلك الوثيقة المنظمة للعمل البرلماني، والتي تطلّبت عقلًا قانونيًا خبيرًا، وقدرة على التوفيق بين النصوص الدستورية ومتطلبات الواقع السياسي. وقد شهد له زملاؤه بأنه كان حاضرًا بعمق، لا بحثًا عن الظهور، بل حرصًا على بناء مؤسسة تشريعية قوية ومنضبطة.
هذا الأداء المتزن والممتد لم يغب عن أعين أهل المهنة، فجاء اختيار المستشار محمد سليم ضمن أفضل 50 نائبًا برلمانيًا في استقصاء مهني أجرته شعبة المحررين البرلمانيين بمجلسي النواب والشيوخ، وهو تقدير لا يُمنح إلا لمن ترك بصمة حقيقية داخل القاعة وخارجها. وجاء هذا التكريم في سياق ضم أسماء وطنية بارزة، من بينهم الدكتور أحمد فتحي سرور، رئيس مجلس النواب الأسبق، والدكتور زكريا عزمي، رئيس ديوان رئاسة الجمهورية الأسبق، وكمال الشاذلي، وزير الشؤون البرلمانية، والدكتور محمود محيي الدين المدير التنفيذي بصندوق النقد الدولي ، بما يعكس ثقل المكانة التي شغلها المستشار محمد سليم بين رجال الدولة.
ولعل واحدة من أبرز محطات عطائه البرلماني كانت دائرته في أسوان، حيث لم يتعامل معها كخريطة انتخابية، بل كملف تنموي واقتصادي واجتماعي بالغ الحساسية. في أسوان، كان محصول قصب السكر عنوانًا لمعركة وطنية خاضها المستشار محمد سليم دفاعًا عن آلاف المزارعين، وعن صناعة استراتيجية تمس الأمن الغذائي والاقتصادي للدولة.
أدرك المستشار محمد سليم أن قصب السكر ليس مجرد محصول زراعي، بل شريان حياة لبيوت كاملة، وركيزة أساسية تقوم عليها مصانع السكر، وما يرتبط بها من عمالة وصناعات مكملة. فكان صوت المزارع الصادق داخل البرلمان، ينقل معاناته من ارتفاع تكاليف الإنتاج، وتأخر المستحقات، ومشكلات التسعير، مطالبًا بحلول عادلة تضمن حياة كريمة للفلاح وتحافظ في الوقت ذاته على استقرار الصناعة.
وفي الوقت نفسه، لم يكن موقفه شعبويًا أو منحازًا لطرف على حساب آخر، بل تبنّى رؤية متوازنة، دافع فيها عن مصانع وشركات السكر باعتبارها مكونًا وطنيًا لا غنى عنه، وطالب بتحديثها، وتطوير خطوط إنتاجها، وربطها بالبحث العلمي والزراعة الحديثة، لمواجهة التحديات الاقتصادية والمنافسة الخارجية. فكان صوته قويًا في مواجهة الأزمات التي طالت هذا القطاع، ساعيًا إلى حلول عملية تحمي المزارع، وتصون المصانع، وتحافظ على العمالة.
هذا الفهم العميق للملفات جعله أحد النواب القلائل الذين نجحوا في الربط بين التشريع والتنمية، وبين الرقابة وحماية الاقتصاد الوطني، دون صخب أو استعراض. وهو ما عزّز من مكانته لدى الوزراء وكبار رجال الدولة، الذين تربطه بهم علاقات قوية قائمة على الثقة والاحترام المتبادل، وقدرته على إدارة الحوار حول القضايا الشائكة بعقل الدولة لا بعاطفة اللحظة.
وعلى الصعيد الخارجي، امتدت علاقات المستشار محمد سليم لتشمل الجاليات المصرية في الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، حيث كان حريصًا على التواصل معهم، والاستماع إلى مشكلاتهم، ونقل رؤيتهم، والتأكيد الدائم على دورهم كجزء أصيل من النسيج الوطني، وقوة داعمة لمصر في الخارج.
المستشار محمد سليم ليس مجرد نائب سابق، بل تجربة سياسية وتشريعية مكتملة، ورجل دولة آمن بأن خدمة الوطن عمل تراكمي، وبأن الدفاع عن المواطن هو جوهر العمل العام. وفي زمن تتكاثر فيه الأصوات، يبقى أمثال المستشار محمد سليم من القلة التي يُعوّل عليها، لأنهم لا يرفعون الصوت بل يتركون الأثر.
كاتبة المقال الكاتبة الصحفية أمال ربيع مدير تحرير مؤسسة اخبار اليوم ومدير تحرير موقع بوابة الدولة الاخبارية

