المستشار محمد سليم يكتب : مصر في لبنان دور دولة لا صفقة مصالح

في مشهد إقليمي مرتبك تتداخل فيه الحسابات وتتشابك فيه المصالح وتُدار فيه الأزمات بمنطق الصفقات تبرز مصر باعتبارها الدولة العربية الوحيدة التي تتحرك في لبنان بدافع واضح لا يقبل التأويل مصلحة لبنان فقط لا تبحث عن نفوذ ولا تساوم على السيادة ولا تدخل من أبواب خلفية وإنما تتحرك بثقل الدولة ومسؤولية التاريخ وثوابت سياسة خارجية لم تتبدل
زيارة الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء إلى بيروت لم تكن تحركًا بروتوكوليًا ولا رسالة مجاملة دبلوماسية بل موقفًا سياسيًا صريحًا في توقيت بالغ الحساسية يؤكد أن مصر لا تنتظر انهيار الدول حتى تعلن التضامن ولا تراقب الأزمات من بعيد بل تحضر عندما تشتد اللحظة وتتعقد الحسابات وتضيق الخيارات أمام الشعوب
الدور المصري في لبنان يختلف جوهريًا عن تدخلات أخرى ارتدت ثوب الدعم بينما كانت تمارس الوصاية أو تفرض النفوذ أو تصفي الحسابات فالقاهرة لا تعمل خارج مؤسسات الدولة اللبنانية ولا تراهن على الانقسام ولا تتعامل مع لبنان كساحة صراع بل كدولة ذات سيادة تستحق الدعم لا الاستغلال ولهذا بقي الدور المصري محل ثقة واحترام لدى مختلف القوى اللبنانية لأنه تدخل بلا مقابل ودعم بلا شروط
ولا ينفصل البعد السياسي عن البعد الاقتصادي في التحرك المصري فإعادة الإعمار ليست مجرد مشروعات بل ركيزة أساسية لاستعادة الاستقرار وإنعاش الاقتصاد وبعث الأمل في دولة أنهكتها الأزمات وتمتلك مصر خبرات حقيقية وشركات قادرة وتجارب ناجحة تجعل مساهمتها عامل إنقاذ لا حضورًا شكليًا إذا ما توافرت بيئة آمنة ومستقرة
وتدرك القاهرة أن أمن لبنان جزء لا يتجزأ من أمن الإقليم وأن استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب اللبناني لا يمثل فقط خرقًا للقانون الدولي بل تهديدًا مباشرًا للاستقرار الإقليمي ولهذا تتحرك مصر بعقل الدولة لا بانفعال اللحظة مستندة إلى خبرة تفاوضية طويلة وقدرة على التواصل مع العواصم المؤثرة والضغط عبر قنوات فعالة بعيدًا عن الضجيج السياسي
وفي ظل ما يتردد عن احتمالات لقاءات سياسية وترتيبات دولية يظل الموقف المصري حاسمًا وواضحًا فلا يبدو مطروحًا في الأفق القريب أي لقاء بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في ظل استمرار العدوان وغياب الالتزام باستحقاقات السلام ومحاولات الهروب المتكررة من الاتفاقات سواء في غزة أو على الجبهة اللبنانية فمصر لا تمنح شرعية سياسية لمن يفرغ السلام من مضمونه ولا تشارك في مشاهد بروتوكولية بينما الدم العربي ما زال يسيل
وتعرف القاهرة جيدًا أن من يملك أدوات الضغط الحقيقية على إسرائيل ليست البيانات ولا الوساطات الشكلية بل الولايات المتحدة القادرة وحدها إذا أرادت على فرض مسار جاد نحو وقف العدوان وتحقيق سلام عادل غير أن غياب الإرادة السياسية وتغليب المصالح الضيقة يبقيان المنطقة رهينة لتوازنات مختلة يدفع ثمنها استقرار الدول وحياة الشعوب
الخاتمة النارية:
في المحصلة لا تتحرك مصر في لبنان بحثًا عن دور لأن دورها ثابت ولا يحتاج إلى إعلان ولا تسعى إلى تصدر المشهد لأن قيمة الفعل لديها أعلى من ضجيج الظهور تدخلها مسؤول ودعمها صادق ومواقفها لا تحتمل الالتباس ولهذا تبقى مصر في بيروت كما في غيرها من العواصم العربية صمام أمان لا طرفًا في الصراع ودولة مواقف لا تاجر أزمات وصوت عقل في زمن ارتفعت فيه الأصوات وغابت فيه البوصلة

