الدكتورة نادية هنرى تكتب: حين تتكلم الحكومة بلسان الدولة

في مقالة عن الدين العام يتحدث رئيس الوزراء بصفته «الدولة»، الدولة التي تقترض، والدولة التي تُصلح، والدولة التي تتحمل الصدمات، لكن الحقيقة التي يجب أن تُقال بوضوح هي أن الدولة شيء، والحكومة شيء آخر.
الدولة كيان باقٍ، له تاريخ ومؤسسات واستمرارية، أما الحكومة فهي إدارة مؤقتة، تُحاسَب على اختياراتها، وتُسأل عن أولوياتها، ولا يحق لها أن تختبئ خلف اسم الدولة حين يحين الحساب.
وحين يتحدث رئيس الحكومة بلغة الدولة، يذوب الفاصل بين من قرر ومن دفع الثمن، وبين من اختار السياسات ومن تحمّل نتائجها، فيختلط القرار بالنتيجة، وتضيع المسؤولية.
المواطن لا يُخاصم الدولة، ولا ينازعها البقاء، هو فقط يسأل الحكومة لماذا يكون دائمًا أول من يدفع، وآخر من يُؤخذ رأيه.
الحديث عن الدين وكأنه قدر الدولة يُخرج القرار السياسي من دائرة المساءلة، ويحوّله إلى مصير لا يُناقَش، بينما الحقيقة أن الدين لم ينزل من السماء، بل كان نتيجة قرارات حكومية محددة، في توقيتات محددة، وبأولويات محددة.
وعندما تعلن الحكومة عن إجراءات عاجلة لتخفيف الضغط على المالية العامة، ثم تُمرَّر باعتبارها ضرورة «دولتية»، يُطلب من المواطن أن يدفع الفاتورة مرتين، مرة بسبب السياسات، ومرة أخرى لإنقاذها.
هذا ليس خطاب دولة، بل تحميل حكومي للتكلفة باسم الدولة، فالدولة لا تُحاسَب، لكن الحكومات تُحاسَب، والخلط بينهما لا يحمي الاستقرار، بل يُضعف الثقة ويُربك معنى المسؤولية.
الإصلاح الحقيقي لا يبدأ بتغيير لغة الخطاب، بل بالاعتراف الصريح بالفارق بين من يملك القرار ومن يتحمّل نتائجه، وإذا كان المواطن قد صبر بما يكفي من أجل الدولة، فمن حقه الآن أن يسأل الحكومة: إلى متى؟ وبأي ثمن.

