بوابة الدولة
بوابة الدولة الاخبارية

أحمد ورشان يكتب: صرخة أيتام الخلع حين يُغتال الزواج باسم القانون

أحمد ورشان
-

في زمنٍ اختلطت فيه المفاهيم، وتبدّلت فيه القيم، باتت كلمة "الخلع" تُتداول في أروقة المحاكم كما تُتداول السلع في الأسواق. لم يعد الخلع استثناءً يُلجأ إليه عند الضرورة القصوى، بل أصبح في كثير من الحالات وسيلة سهلة للهروب من المسؤولية، وذريعة للتمرد على قدسية الميثاق الغليظ.

الخلع بين الشرع والقانون

الخلع في أصله مشروع، أقرّه الإسلام رحمةً بالمرأة إن كرهت الحياة مع زوجها ولم تستطع الاستمرار. قال النبي ﷺ لامرأة ثابت بن قيس: «أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم. قال: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة» (رواه البخاري). لكن ما نراه اليوم لا يمتّ لهذا الأصل بصلة. فالخلع تحوّل إلى سلاح يُشهر في وجه الزوج، لا لظلمٍ وقع، بل لرغبةٍ في التملص، أو عشقٍ جديد، أو طمعٍ في حرية زائفة.

أيتام الطلاق ضحايا بلا ذنب

في كل قضية خلع، هناك ضحايا صامتون: الأطفال. يُنتزعون من دفء الأسرة إلى برد الشتات، يُرمون بين أبوين متخاصمين، ويُحرمون من الاستقرار العاطفي والنفسي. من ينقذ هؤلاء؟ من يداوي جراحهم؟ من يوقف نزيف التفكك الذي يهدد نسيج المجتمع؟

تحذير نبوي صارخ

قال رسول الله ﷺ: «أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة» (رواه أبو داود). فكيف بمن تطلب الخلع لهوى في النفس، أو حبٍّ جديد، أو تمرد على القوامة؟ أليس هذا استخفافًا بوصية النبي؟ أليس هذا عبثًا بمؤسسة أرادها الله سكنًا ومودة؟

الفقهاء يحذرون

كثير من العلماء المعاصرين حذّروا من التوسع في تطبيق الخلع دون ضوابط. فالشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – قال: "لا يجوز للمرأة أن تطلب الخلع إلا إذا كرهت زوجها كراهة شديدة تخشى معها ألا تقيم حدود الله". أما أن يتحوّل الخلع إلى وسيلة ضغط أو انتقام، فذلك خروج عن مقصود الشريعة.

صرخة في وجه العبث

نحن لا نرفض الخلع المشروع، بل نرفض استغلاله. نرفض أن يُستخدم كغطاء للخيانة، أو وسيلة للابتزاز، أو طريقًا للتمرد. نطالب بإعادة النظر في قوانين الخلع، ووضع ضوابط شرعية صارمة، وإشراك لجان إصلاح أسري قبل الحكم فيه. نطالب بحماية الأطفال من أن يكونوا ضحايا نزوات الكبار.

وأخيرًا

الزواج ليس عقد إيجار، والطلاق ليس زرًا يُضغط عند أول خلاف. إنه ميثاق غليظ، ومسؤولية عظيمة، ومصير أجيال. فلنتقِ الله في بيوتنا، ولنُعدّ للسؤال جوابًا، يوم لا ينفع مال ولا بنون.