عيد لبيب رجل الصناعة يكتب: تعديل قانون الكهرباء.. انتصار للعدالة وحماية لحق الدولة والمواطن

أخيرًا، يمكن القول إن ما قامت به الحكومة مؤخرًا، وما وافق عليه مجلس الشيوخ برئاسة المستشار عصام الدين فريد، يمثل خطوة شجاعة ومحسوبة على طريق إصلاح أحد أخطر الملفات التي ظلت لسنوات تنزف خسائر بلا حساب، وهو ملف سرقة التيار الكهربائي، وما يرتبط به من فوضى وإهدار للمال العام على حساب المواطن الملتزم.
موافقة مجلس الشيوخ على مشروع تعديل بعض أحكام قانون الكهرباء الصادر بالقانون رقم 87 لسنة 2015 ليست مجرد إجراء تشريعي روتيني، بل رسالة واضحة بأن الدولة قررت أن تحسم أمرها، وأن تضع قواعد صارمة لحوكمة مرفق الكهرباء، بما يضمن تطوير بنيته الأساسية، وحماية مقدراته، ورفع كفاءته، والحفاظ على جودة الخدمة المقدمة للمواطنين.
وأقولها بوضوح: هذا ما طالبنا به صراحة وعلى الهواء مباشرة عبر قناة بوابة الدولة الإخبارية، خلال لقائي مع الإعلامية الدكتورة شاهيناز عبد الكريم. قلنا وقتها إن استمرار سرقة التيار جريمة في حق الدولة، وجريمة أكبر في حق المواطن الشريف الذي يدفع الفاتورة كاملة، بينما يتحمل وحده تكلفة الفاقد الناتج عن غير الملتزمين.
التعديلات الجديدة، وعلى رأسها ما ورد في المادة 70، جاءت لتعالج جوهر الأزمة، حين قررت تغليظ العقوبة على كل من يثبت تورطه أثناء تأدية عمله أو بسبب وظيفته في أنشطة الكهرباء، سواء بتوصيل التيار بالمخالفة للقانون، أو التستر على المخالفات، أو الامتناع المتعمد عن تقديم الخدمة دون سند قانوني. الحبس لمدة لا تقل عن سنة، والغرامة التي قد تصل إلى مليون جنيه، مع رد مثلي قيمة التيار المستولى عليه، ليست عقوبات مبالغًا فيها، بل هي الحد الأدنى من العدالة في مواجهة عبث استمر طويلًا.
البعض قد يتصور أن الهدف من هذه العقوبات هو الردع فقط، لكن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير. الهدف الأساسي هو حماية المواطن الملتزم، الذي لا ذنب له سوى أنه يدفع ما عليه، بينما يتحمل نتائج سرقة غيره في صورة ارتفاع تكاليف، أو أعباء إضافية على الموازنة العامة، أو ضغوط على الخدمة.
الدولة المصرية أنفقت خلال السنوات الماضية مليارات الجنيهات على تطوير قطاع الكهرباء، من محطات عملاقة وشبكات حديثة، إلى خطط تأمين الإمدادات واستمرارية الخدمة. وما شهده المواطن خلال الصيف الماضي من استقرار التيار الكهربائي، رغم الأحمال القياسية، لم يكن صدفة، بل نتيجة استثمارات ضخمة وتكلفة باهظة تحملتها الدولة. ومن غير المقبول أن تضيع هذه الجهود بسبب فوضى أو تواطؤ أو سرقة ممنهجة.
تقليل الفاقد الكهربائي ليس رفاهية، بل ضرورة اقتصادية وأمن قومي. كل كيلو وات مسروق هو عبء إضافي على الدولة، وعلى الموازنة، وعلى المواطن في النهاية. ومن هنا تأتي أهمية فلسفة التصالح التي تضمنها القانون، والتي تهدف إلى استرداد حق الدولة وتعويض قيمة التيار المستهلك دون وجه حق، دون الإخلال بمبدأ الردع أو هيبة القانون.
كما أؤكد أن الحديث المتكرر عن احتكار الدولة لخدمات الكهرباء يحتاج إلى قدر من الموضوعية. الدولة هنا ليست محتكرًا تجاريًا يسعى للربح، بل منتج ومشغل لخدمة استراتيجية لا غنى عنها، والاحتكار في هذه الحالة هو لصالح المواطن، لضمان العدالة في التوزيع، واستدامة الخدمة، وعدم تركها لاعتبارات السوق وحدها. هذا النموذج مطبق في أغلب دول العالم، وليس استثناءً مصريًا.
ومع كل هذا التقدير لما تضمنته التعديلات، كنت أتمنى – وما زلت – أن يُضاف نص صريح يمنح من يبلغ عن سرقة التيار الكهربائي نسبة 10% من قيمة الغرامة المحصلة. هذا الإجراء البسيط كفيل بتحويل المواطن إلى شريك حقيقي في حماية المرفق العام، ويخلق شبكة رقابة مجتمعية فعالة، تقلل من حجم السرقات، وتكسر ثقافة الصمت أو التواطؤ.
في النهاية، ما حدث هو خطوة في الاتجاه الصحيح، وتأكيد على أن الدولة جادة في حماية مقدراتها، والانحياز للمواطن الملتزم، وبناء منظومة كهرباء منضبطة وعادلة. وهو ما نأمل أن يستمر، لأن إصلاح المرافق ليس خيارًا، بل ضرورة لبناء دولة قوية واقتصاد مستدام، يليق بمصر وشعبها.

