لتشجيع النشر الدولى ودعم البحث العلمى فى الجامعات المصرية.. دليل كتابة البحوث العلمية فى العلوم الاجتماعية
الدولة المصرية زاخرة بأجيال من الباحثين من مختلف الفئات العمرية
البحث العلمى مهارة لا تنمى إلا بالممارسة
سبب محدودية النشر الدولى فى العلوم الاجتماعية ليس مبعثه قلة الإنتاج البحثى
«الحقيقة» كلمة صغيرة فى بنائها اللغوى، وفى جذرها واشتقاقها، عظيمة بقدر عظمة الجهود التى يبذلها الباحث عنها، ورغم قوتها وسموها وقيمتها فى حياة الإنسان، فإن سلامة المنهج الموصل إليها ضرورة لحفظها من الزيغ والتشويه، هذا هو شعار كتاب «دليل كتابة البحوث العلمية فى العلوم الاجتماعية» الصادر عن كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، الكلية التى تولى كل الاهتمام والرعاية بالبحث العلمى منذ نشأتها فى عام 1960، وهو فى حد ذاته يمثل الرسالة التى تكرس جهودها وإمكاناتها، وقد جاءت تلك الرؤية من منطلق أن البحث سواء أكان بحثاً علمياً محضا، أم بحثا اجتماعيا أم سياسيا أو اقتصاديا، غايته هو كشف اللثام عن المعرفة التى هى أساس التكيف الإنسانى بل البقاء، مهما تباينت المناهج التى يحاول من خلالها الإنسان، أن يرى واقعه ويفسر أحداثه وخبراته ليفهم طبيعة الظواهر من حوله.
“الدليل” نتاج تعاون مثمر، بين مجموعة متميزة من أعضاء هيئة تدريس كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وإشراف وإعداد الدكتور محمود السعيد، نائب رئيس جامعة القاهرة لشئون الدراسات العليا والبحوث، وعميد الكلية السابق، الذى يعد واحدا من أهم علماء مصر الأجلاء، الذين حفروا أسماءهم بالذهب فى تاريخها، لما له من دور بارز ورائد واهتمام بالغ منقطع النظير، بقضية البحث العلمى فى مصر، إيمانا منه باعتباره قاطرة الابتكار وبمثابة المقوم الرئيسى فى تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة على المستوى الوطنى، وتجلى ذلك فى مؤلفاته وأبحاثه المتخصصة، التى أثرى بها المجتمع الأكاديمى المحلى والدولى، وكان آخرها “الجامعة والتنمية فى مصر”، «مكان داخل نادى المائة»، وكذلك كتاب “مبادئ الإحصاء لدارسى العلوم الاجتماعية.. الجزء الأول: الإحصاء الوصفى”.
أسهم الدكتور السعيد، فى رفع اسم ومكانة مصر، وجامعة القاهرة، فى المحافل الدولية، عبر تتويجه فى قائمة جامعة ستانفورد الأمريكية لأفضل 2% من علماء العالم، فضلاً عن استحداثه مدرسة علمية جديدة فى قسم الإحصاء بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، فى مجال الضبط الإحصائى للجودة، حتى وصل عدد الاقتباس من أبحاثه العلمية إلى 3234 اقتباسا حتى الآن طبقاً لموقع Scholar Google، يؤكد خلال تصديره لدليل كتابة البحوث العلمية فى العلوم الاجتماعية، أن سبب محدودية النشر الدولى فى مصر فى مجال الإنسانيات والعلوم الاجتماعية، ليس مبعثه قلة الإنتاج البحثى، موضحاً أن الدولة المصرية زاخرة بأجيال من الباحثين من مختلف الفئات العمرية، مشيراً إلى أن معظم الأبحاث تحتوى على أخطاء أساسية فى أدلة أجزائها، ما يحرمها من فرصة النشر الدولى ونشر أفكارها على أوسع نطاق ممكن، موضحاً أن الدليل يسعى لتنمية القدرات البحثية لدى طلاب البحث العلمى فى مجال العلوم الاجتماعية من خلال تعريفهم بأصول الدليلة العلمية لأجزاء البحث، وتنمية معارفهم وإكسابهم المهارات اللازمة لدليلة الأبحاث على نحو روعى فيه تحرى أقصى درجات الدقة والموضوعية.
يهدف “الدليل” إلى توفير قدر كاف من المعلومات والمعارف الأساسية التى يحتاجها الباحث لمعاونته فى إنجاز الأبحاث العملية، خصوصا فى مجال العلوم الاجتماعية، يستوى فى ذلك أن يكون البحث أكاديميا أو مهنيا أو يكون بهدف الحصول على درجة الماجستير أو الدكتوراه، كما يتضمن أقساما تتناول البحوث المختلفة، ومكونات البحوث من مشكلة بحثية وإطار نظرى وعرض للنتائج، وبعض الإرشادات فيما يتعلق بالتوثيق، ومقترحات البحوث والعروض، كما يتضمن أيضاً أهم الأخطاء الشائعة فى كل مرحلة من مراحل البحث العلمى، التى ينصح بتجنبها، وبقدر ما يقدمه هذا الدليل من معلومات وإرشادات مهمة للباحث، فإن البحث العلمى مهارة لا تنمى إلا بالممارسة.
يوضح “الدليل”، فى مضمونه الأطوار التى مرت بها رحلة البحث عن الحقيقة حتى تركت للباحثين أطراً، يستطيعون من خلالها وضع القوالب التى تمكنهم من قياس المعارف، رصدها “الدليل” فى خطوات إعداد البحوث العلمية فى مراحلها المختلفة، بدءًا من اختيار وتحديد الموضوع وانتهاء بتقديمه للنشر فى أحد أوعية النشر العلمى، إنه باختصار يقدم منهجية يمكن وصفها بأنها شاملة ومبسطة ودقيقة، وموثقة للأسس العلمية التى يجب أن يسير الباحث على هدى منها حين يشرع فى كتابة بحث فى مجال العلوم الاجتماعية، فلم يدخر الكتاب جهدًا فى توضيح الإطار النظرى بأمثلة تطبيقية من واقع البحوث المنشورة وأخرى افتراضية تمنح المادة العلمية ثراء بحثيًا وفكريًا، يفتقر الباحثون إلى تبنِّيه والاستئناس به.
ويتضمن الدليل واحداً وعشرين فصلاً، يمكن تقسيمهم إلى أربعة أجزاء أساسية يشتمل الجزء الأول على 3 فصول، تتطرق لطريقة إعداد البحث العلمى من حيث كيفية صياغة مشكلته البحثية، وتحديد التصميم الأمثل للدراسة، ويحوى الجزء الثانى 10 فصول، يستعرض خلالها فريق عمل الكلية أهم المعايير التى يجب مراعاتها، وتلك التى يتعين تجنبها عند تصميم عناصر البحث بداية من عنوانه، وصولاً إلى قائمة المراجع، أما الجزء الثالث من الدليل، يحتوى ثلاثة فصول، تسدى بعض النصائح العامة للباحث حول كيفية إعداد العرض الشفهى لأبحاثه، وكيفية إدارته المشروعات البحثية الجماعية، وكيفية قيامه بتحكيم الأبحاث العلمية متى طلب منه ذلك، وأخيراً يضم الجزء الرابع والأخير من الدليل خمسة فصول تختص بتعريف الباحث بمختلف أنواع الأوراق البحثية، بداية من المقترح البحثى أو الخطة البحثية، مرورا بأوراق السياسات والتقارير الميدانية وانتهاء بدراسات الحالة.
جدير بالإشارة أن "الدليل"، يعتمد على دليل البحث العلمى فى العلوم الاجتماعية المنشور على موقع جامعة جنوب كاليفورنيا الأمريكية، كما يسترعى انتباه مراكز البحوث العلمية، والجامعات وسائر المؤسسات العلمية الأخرى، والأجهزة الرسمية المسئولة عن العلم والعلماء، وينبه إلى ضرورة توفير المعرفة الأساسية، لنشر الأبحاث العملية فى المجلات الدولية، فهذه المجلات – وفقا لدرجات مختلفة حسب تصنيفها تخضع الأبحاث المنشورة بها لأقصى درجات التدقيق والمراجعة، من حيث النظرية والتطبيق والأمانة العلمية، ومدى الإسهام فى التراكم المعرفى.
