الكاتب الصحفي محمود شاكر يكتب: وداعا بنات المنوفية

استيقظ أهالي محافظة المنوفية، كما استيقظ ملايين المصريين، على فاجعة إنسانية جديدة فوق طريقٍ لم يعرف سوى لون الدم، حادث مأساوي على الطريق الإقليمي المعروف بين الناس باسم طريق الموت، حصد أرواح 19 فتاة، إضافة إلى عدد من المصابين، بعضهم في حالة حرجة. الفتيات الضحايا كن في طريقهن إلى عمل شريف بمزارع العنب، لكنهن لم يصلن أبدًا، اصطدمت سيارة نقل ثقيل "تريلا" بميكروباص أجرة يقل العاملات، فكان الاصطدام أشبه بقنبلة بشرية انفجرت، وتناثرت معها الأرواح والأشلاء على الأسفلت.
هذا الطريق، الذي كان من المفترض أن يكون شريان حياة، أُنشئ عام 2018 ضمن المشروع القومي للطرق، ليربط المحافظات ويخفف الضغط عن الطرق الزراعية، لكنه، على أرض الواقع، تحوّل إلى فخ قاتل مفتوح على مدار الساعة، نتيجة غياب الإنارة، وانعدام الرقابة المرورية، وسوء البنية التحتية، وغياب أي لوحات تحذيرية أو إرشادية.
الحوادث عليه تتكرر بلا انقطاع، من بينها كارثة 2020 التي راح ضحيتها 14 عاملًا، ثم مأساة 2022 التي راح ضحيتها 9 طلاب جامعيين، واليوم، تأتي الكارثة الأكبر على الإطلاق: 19 قتيلة في مركبة واحدة.
لم يعد هذا الطريق مجرد إسفلت، بل صار مقبرة مفتوحة، والمشهد بات مألوفًا، سيارات الإسعاف لا تهدأ، وجثث متفحمة أو مشوهة، وعائلات مكلومة تنتظر خلف أبواب المشرحة. ولأن الحوادث تتكرر، فإن الأهالي لم يكتفوا بالحزن، بل رفعوا صوتهم عاليًا مطالبين الحكومة بعدد من الإجراءات العاجلة، أبرزها نشر رادارات على امتداد الطريق، وتركيب أعمدة إنارة، ووضع لوحات إرشادية وتحذيرية واضحة، وفرض رقابة مرورية مستمرة، وتوفير نقاط عبور آمنة للمشاة والعربات البطيئة.
ورغم أن العنصر البشري يظل هو السبب الرئيسي للحوادث – بسبب التهور والرعونة، خاصة من سائقي النقل – إلا أن العقوبات الحالية غير رادعة، فهي غالبًا لا تتعدى الغرامة أو الحبس مع وقف التنفيذ، فهل يُعقل أن تكون حياة الأبرياء بهذا الرخص؟ هل يُعقل أن نفقد 19 شابة في لحظة، ولا تُحرّك الجهات المعنية ساكنًا سوى التصريحات؟
وداعًا لبنات المنوفية، خرجتن تطلبن الرزق، فكنتن ضحايا الإهمال، واللا مبالاة، وسوء الإدارة، دعاؤنا بالرحمة للضحايا، وبالشفاء للمصابين، وبأن تتحرك الدولة قبل أن نستيقظ على دماء جديدة على الأسفلت.