الكاتب الصحفى رامى رشاد يكتب : أسعد صديقى وأهل السودان

في رحلة الحياة كثيرًا ما نلتقي بأشخاص يتركون في نفوسنا أثرًا لا يُنسى، وتجربة التعرف على المهندس أسعد إبراهيم واحدة من تلك التجارب النادرة التي تُثبت أن العلاقات الإنسانية لا تعترف بجنسية أو حدود.
أسعد سوداني المنشأ، مصري الإقامة، جاء من أم درمان العريقة بعد أن دفعت ظروف الحرب والمعاناة الكثير من أبناء السودان إلى اللجوء الآمن في أرض الكنانة. شاءت الأقدار أن ألتقيه صدفة لدى أحد الأصدقاء المشتركين، فكانت من أجمل الصدف وأعمقها أثرًا.
رجل متدين، دمث الخلق، واسع الثقافة، رزين في حديثه، لا يُذكر أحدًا بسوء، ولا يشارك في اللغو أو التذمر، بل يحمل داخله صفاء نادرًا وسكينة تستقر في كل من يجالسه. درس الهندسة في جامعة السودان، ويستعد حاليًا للعودة إلى وطنه بعد أن تهدأ العواصف، لكن من عرف أسعد يعلم أن حضوره لا يُنسى بسهولة.
كان لقاؤنا بداية صداقة امتدت إلى مجموعة من الزملاء الأوفياء، منهم محمد منصور، عمرو سالم، أحمد حسين، ومحمد أبو سعدة، نلتقي بشكل شبه يومي، نتحاور ونتبادل القصص والخبرات ونتشارك الضحك والوجبات وأوقات الراحة. بل إننا كوّنّا فريق كرة قدم مختلط من المصريين والسودانيين، نلعب كل أربعاء في المدرسة السودانية، في مباراة عنوانها المحبة وروح الفريق، لا يعرف فيها أحد من أين جاء الآخر، فالكل يلعب بروح واحدة.
في أحد اللقاءات، جاء "عادل"، ابن شقيق أسعد، طفل صغير لم يتجاوز عمره سنوات قليلة، وقال لي بتلقائية: "أنا مش عايز أرجع السودان.. بحب مصر وأهلها، وصحابي هنا كتير". وعندما سألته عن السبب، أجاب بعفوية الأطفال: "بحب البحر بتاعكم" – وكان يقصد بحر الإسكندرية. حينها أدركت أن الرابط بين مصر والسودان ليس سياسيًا فقط ولا تاريخيًا، بل هو إنساني قبل كل شيء، علاقة عميقة تتجدد مع كل جيل جديد.
اليوم، أكتب هذه الكلمات، وأنا أودّع صديقًا عزيزًا، بل أخًا لم تلده أمي. أفرح لعودته إلى بلده بعد أن تاقت نفسه إلى أرضه وأهله، لكن الحزن يملأني لفراقه. فكم كان وجوده بيننا جميلاً، وكم كانت أخلاقه مصدر إلهام!
أسعد، أنت خير من مثّل السودان هنا، وستبقى في القلب دائمًا. لك في مصر أصدقاء وأحبة ودعوات بالسلام والأمان حيثما حللت.
دامت المحبة بين مصر والسودان.. ودامت أوطاننا بخير.
قال الله تعالى:
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ
وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"
صدق الله العظيم (سورة الحجرات – آية 13
كاتب المقال الكاتب الصحفى رامى رشاد بمؤسسة اخبار اليوم