من الزنزانة إلى الزفة، حكاية براءة محمد ابن الشرقية بعد عامين ونصف من الظلم (صور)

لم يكن مساء قرية أبو طاحون التابعة لمركز أولاد صقر بمحافظة الشرقيه عاديًّا. أبواق السيارات تصدح، والزغاريد تتعالى من البيوت، والأهالي خرجوا في مشهد احتفالي كبير، أشبه بعرس جماعي. بطل المشهد لم يكن عريسًا، بل شاب في الثانية والعشرين من عمره، عائد من وراء القضبان بعد رحلة قاسية مع اتهام باطل
قضى أكثر من عامين ونصف خلف القضبان بتهمة اغتصاب فتاة والحمل منه
إنه محمد أحمد، شاب من ذوي الهمم (صمّ وبكم)، مقيم قرية تابعة لمركز أولاد صقرقضى أكثر من عامين ونصف خلف القضبان بتهمة اغتصاب فتاة والحمل منه، قبل أن تُنصفه محكمة النقض، لتعيد له حريته واعتباره.
تفاصيل قضية هزت الرأي العام الشرقاوي
القضية بدأت قبل أكثر من عامين، حين فوجئ الأهالي باتهام محمد في قضية اغتصاب فتاة صدمت الواقعة القرية بأكملها، خصوصًا أن المتهم شاب معروف ببراءته وهدوئه. ورغم صرخات الأسرة ببراءته، صدر حكم أولي بسجنه 15 عامًا، وأيّدته محكمة الاستئناف، لتدخل العائلة في دوامة من الألم والمعاناة.
الطفل المولود لايمت لمحمد بأى صله
لم تيأس الأسرة، وظلت متمسكة بخيط رفيع من الأمل، حتى جاءت تقارير الطب الشرعي وتحاليل البصمة الوراثية DNA لتكشف الحقيقة الكاملة ان الطفل المولود لا يمت لمحمد بأي صلة. كان هذا التقرير بمثابة قبس نور وسط ظلام القضية، لتتجه الأنظار إلى محكمة النقض التي أصدرت قرارها التاريخي ببراءته.
الحكم بالنطق بالقضية التي أثارت الرأي العام
لحظة النطق بالحكم لم تمر مرور الكرام. الأب الذي شابت ملامحه من الحزن بكى بحرقة، قبل أن يرسم القاضي بابتسامته طريق الحرية أمام ابنه. قال الأب وهو يضم محمد بعد غياب: "النهاردة يوم عيد.. ابني رجع لي، وربنا رجّع له حقه بعد ما اتظلم واتسجن ظلم كبير".
القرية تحتفل بالشاب بزفة سيارات
ما أن عاد محمد إلى قريته بمركز أولاد صقر محافظة الشرقيه حتى تحولت الشوارع إلى ساحة فرح، سيارات تزينت بالأعلام، زغاريد اخترقت صمت الليل، والأهالي خرجوا في زفة كبيرة احتفاءً بعودته.
حيث شارك الشاب الاحتفال راكبًا أحد الأحصنة وسط هتافات الأهالي، فيما أقيم صوان كبير أمام منزله تجمع فيه الأهل والأصدقاء وعدد من أبناء المهن المختلفة لمشاركته فرحته." كان المشهد رسالة قوية مفادها أن القرية بأكملها تقف إلى جوار ابنها، وأن الحق قد عاد لأصحابه.
معاناة شاب من ذوي الهمم مع ظلم قاسٍ وعن أسرة لم تستسلم
قصة محمد لم تكن مجرد قضية تنتهي بحكم براءة، بل حكاية إنسانية عن معاناة شاب من ذوي الهمم مع ظلم قاسٍ، وعن أسرة لم تستسلم، وأهالٍ التفوا حول الحق. هي أيضًا شهادة على أن العدالة قد تتأخر، لكنها في النهاية تنتصر.
اليوم، يجلس محمد وسط أسرته، تعلو وجهه ابتسامة لا تخطئها عين، بينما تردد أمه بصوت متهدج: "الحمد لله.. ابني رجع ليا"، ويردد الأهالي من حوله: "العدل عمره ما بيموت".