الكاتب الصحفى صالح شلبى يكتب: حين يُباع الدم بثمنٍ بخس

في زمنٍ أصبح فيه الخبز أكثر وفاءً من بعض البشر، تطلّ علينا خيانة من حيث لا نتوقع، تأتيك الطعنة من اليد التي امتدت يومًا لتصافحك، من العين التي ذرفت دموعها يوم فرحتك، من فمٍ طالما نطق بكلمة "أخي"... لكنها اليوم لا تنطق إلا بالسم، ولا تفكر إلا في هدمك.
ما أقسى أن يكون العدو من دمك، أن تكون المعركة داخل البيت، أن تتحوّل الشقيقات — من كان يُفترض أن يكنّ سندًا — إلى عدوّات خبيثات، حاقدات، لا هدف لهن إلا إسقاطك. لا يهمهن إن كان سقوطك يعني انهيار البيت كله، المهم أن يرينك تحت أقدامهن، مكسورًا مهزومًا، فقط لأنهن طمعن، فقط لأنهن أردن حفنة مال، لا تسمن ولا تغني من جوع، فبعنك كما تُباع العبيد في سوق النخاسة.
العيش والملح؟ صلة الدم؟ الذكريات؟ كلها تُذبح على مذبح الطمع. الطمع الذي أعمى الأبصار وأغشى القلوب، جعل من الشقيقات شياطين، لا يُفكرن إلا في أنفسهن، لا يرين فيك "أخي"، بل يرينك عقبة يجب أن تُزال، حجرًا يجب أن يُداس، جسدًا يجب أن يُدفن.
هؤلاء لسن شقيقات، بل أشباح من لحم ودم، يحملن أرواحًا خربة، مريضة، لا تعرف للرحمة طريقًا. يعشن على الفتن، ويتغذّين على الخراب، يغرِسن الكراهية كما يغرس الفلاح البذور، لكن حصادهن نار، حصادهن خراب في الدنيا والآخرة.
هؤلاء باعوا السند، باعوا الدهر، باعوا كبيرهم الذي كان لهم ظهرًا وسندًا، حتى أصبحت ظهورهم عارية، مكشوفة، لا تحميها دعوة، ولا تسترها هيبة. باعوا البركة من أيديهم، وباعوا الرحمة من بيوتهم، فخسروا ما لا يُشترى، وضيّعوا ما لا يُعوّض. ظنّوا أن المال سيغنيهم، أن السيطرة ستعليهم، فإذا بهم اليوم يلفّهم الندم كما يلف الكفن الميت، يتلفتون فلا يجدون صدرًا يحتويهم، ولا عينًا تبكي عليهم. خسروا أنفسهم قبل أن يخسروك، جرّدوا قلوبهم من الإنسانية، فجرّدهم الله من السكينة. تلك الطعنات التي زرعوها في ظهرك، قد تُشفى، لكن ظهورهم ستظل مكشوفة، تنتظر ضربة القدر التي لا ترحم.
كل فتنة يزرعنها، كل دمعة يتسببن فيها، كل ضرر يقصدنه، إنما هو شاهد عليهن يوم لا ينفع مال ولا نسب. سيقفن أمام من لا تخفى عليه خافية، وسَيُسألن عن كل كلمة، كل خيانة، كل خنجر غرسنه في ظهور إخوتِهن، وكل فتنة أطلقنها في لحظة ضعف وشهوة مال.
هؤلاء مصيرهن جهنم، ليس فيها أخوّة، ولا رحمة، ولا مكان لطاغيات الأسرة. مثواهن نارٌ وقودها هن ومن على شاكلتهن. وهل يستحق غير ذلك من خانت رحمًا، من تنكّرت لنعمة الأخوة، من جعلت من بيتها ميدانًا للدمار؟! هن لسن ضحايا، بل مجرمات. مجرمات بحق الدين، وبحق الدم، وبحق الإنسانية.
وقد قال تعالى: "إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق".
وقال أيضًا: "إن الشيطان ينـزغ بينهم".
وما أشبههن بالشيطان، بل لعل الشيطان أرحم، لأنه على الأقل عدوٌ مُعلن، أما هؤلاء، فخائنات مقنّعات، يبتسمن في وجهك، ويطعنّك في ظهرك.
أيعقل أن تُباع الأخوّة؟ أن يُستبدل الوفاء بالحقد؟ أن يُصبح الطمع أقوى من الدم؟! نعم، إذا ماتت القلوب، وتحوّلت النفوس إلى مستنقعات من الحسد والشر، يحدث كل شيء.
لكن اعلم، أن الله لا يُضيع حق المظلوم، وأن دعوة المكلوم لا تُرد، وأن كل مؤامرة تُحاك في الظلام، سينكشف سوادها أمام نور الحق.
فابكِ يا قلب، لكن لا تنكسر. واصبر، فإن الله معك، وأولئك — وإن انتفخن الآن بمالٍ حرام، ومؤامرات نجسة — فإنهن إلى زوال.
وسيأتي اليوم الذي يُكشف فيه كل شيء، وتعلو فيه كلمة العدل على صوت الفتنةوسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون.