تفاصيل مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي من الاستعداد للختام
كانت الدورة التاسعة من مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي أكثر من مجرد حدث مسرحي؛ فهي تجربة متكاملة تعاش في كل زاوية من الفضاء صحراوي المفتوح، منذ اللحظة الأولى تشعر أن الصحراء ليست مجرد خلفية أو ديكور، بل عنصر درامي وركن أساسي في الأداء والحركة المسرحية، وشريك في صناعة كل مشهد وكل حوار، فالمهرجان له خصوصية وطابع خاص جدا يختلف عن أي مهرجان مسرحي آخر، التحضير له كل عام، والذي يبدأ قبل موعد المهرجان بأكثر من شهر، بالبناء وتجهيز الصحراء وتهيئتها لتتناسب الحالة المسرحية مع البيئة الصحراوية، فيبدأ بناء منطقة المسرح بتفاصيلها من مدرجات الجمهور وفضاء العرض الذي تقام به العروض، فتنصب الخيام وغيرها من عناصر البيئة الصحراوية مجهزة بعناية، وكذلك قاعات مفتوحة للندوات التطبيقية والفكرية، وخيام فندقية لإقامة الجمهور، وخيام أخرى لاستراحة الضيوف وقت العروض والندوات، كل هذه التفاصيل مستوحاة من البيئة الصحراوية، وهذا العمل المسبق يمنح الجمهور شعورا بالانغماس التام في الحالة المسرحية ويحول المشاهدة إلى معايشة حقيقية.
وبالنسبة للعروض، فقد توفرت لها كافة التفاصيل والعناصر التي تسهم في تقديم عرض يحقق متعة لدى الجمهور، والعروض نفسها كانت ملتزمة بالهوية الصحراوية ونابعة من البيئة البدوية ومستمدة منها، لتصبح المسرحية امتدادا حيا للواقع الصحراوي.
والملفت في تجربة مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي هو الحضور الجماهيري، فبالرغم من خصوصية المكان والأجواء، شهدت كافة العروض على مدار أيام المهرجان إقبالا جماهيريا كبيرًا وتفاعلا مستمرا مع كل عرض، وهذه المشاركة المباشرة تثبت أن المسرح، حين يكون صادقا ومتصالحا مع بيئته، قادر على الوصول إلى المتلقي وإشراكه في التجربة مهما كانت الأجواء والظروف المحيطة، كما كان التفاعل مع الندوات التطبيقية والنقدية حاضرا بعد كل عرض، حيث يكون الحوار بين صناع العرض والنقاد والفنانين والضيوف، كما أتاح المحور الفكري للدورة التاسعة، والذي حمل عنوان «المسرح الصحراوي وجماليات السير الشعبية العربية»، فرصة للنقاش والبحث في العلاقة بين النص والفضاء، وبين السردية الشعبية والحركة المسرحية.
وعلى جانب آخر، كانت هناك لحظات إنسانية واجتماعية أضافت بعدا إضافيا لتجربة مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي، وهي الأمسيات المفتوحة بعد العروض، من حفلات عشاء وجلسات شواء في الهواء الطلق، والمسابقات اليومية للجمهور، والسحب على جوائز وهدايا يقدمها المهرجان، كما تضمنت التجربة التجمع حول قصص وتجارب الصحراء والمسرح معا، وهذه التفاصيل تعكس كيف يحول المهرجان كل عنصر، من المسرح والخيام والمسامرات والفضاء العام المفتوح، إلى جزء من تجربة جماعية مسرحية فنية متكاملة، لها خصوصية وتميز، حيث يصبح الجمهور ليس متلقيا فقط، بل شريكا ومستمتعا ومحبا للحالة المسرحية.
























