الإعلامية و الصحفية إيمي حمدي سراج تكتب .. خبراء فى صناعة نهايتهم

إياك والظلم.. كما تدين تدان الظلم هو آفة من آفات المجتمع، قد لا يدرك بعضنا مدى تأثيره المدمر على الفرد والمجتمع. من منا لم يسمع المثل الشعبي القائل "كما تدين تدان"؟ هذا القول ليس مجرد كلمات نرددها في أوقات الغضب أو الشكوى، بل هي رسالة تحذيرية تدعونا للتفكير في العواقب التي يمكن أن تترتب على أفعالنا، خاصة عندما يتعلق الأمر بالظلم الذى يعد السم الذي يتسلل إلى العلاقات البشرية فيفسدها، ويزرع بذور العداوة والحقد.
في أغاني الزمن الجميل، عبّر كبار الفنانين عن معاناة المظلومين وعن العواقب الوخيمة التي تلحق بالظالم، فنرى أم كلثوم، محمد عبد الوهاب، ووردة، وفايزة أحمد وعبد الحليم حافظ قدّموا لنا كلمات خالدة تُذكّر بأن من يزرع الظلم، لا يحصد إلا الخيبة والندم.
الظلم في عيون الأغاني
"ظلموني الناس" هي واحدة من أشهر أغاني سيدة الغناء العربى أم كلثوم، حيث تغني عن ألم الظلم الذي يشعر به الإنسان عندما يتعرض للأذى من المقربين. كلمات الأغنية تعبر عن إحساس عميق بالحزن والمرارة، قائلة: "ظلموني الناس، وأنا اللي طول عمري بقول الحق وأمشي ورا قلبي". هذا الإحساس بالظلم الشخصي يلامس مشاعر كل من عانى من الاعتداء على حقوقه أو مشاعره.
أما محمد عبد الوهاب فقد عبّر عن فلسفة عميقة حول الظلم والعدالة في أغنية "يا وابور قل لي رايح على فين"، حيث يعكس فيها رحيل كل ظالم إلى مصير محتوم. من خلال هذه الأغنية، يتجلى شعور الأمل بأن العدالة ستأتي مهما طال الزمن، فعبد الوهاب يربط بين الظلم والعواقب الوخيمة التي تلاحق مرتكبيه.
بينما عبّرت وردة الجزائرية في أغنيتها الشهيرة "في يوم وليلة" عن خيانة الحب التي تحمل نوعًا من الظلم العاطفي. وردة تقول: "إنت ظلمت الحب.. وإنت اللي خسران"، مؤكدة أن الظالم في العلاقات العاطفية سيشعر في النهاية بالندم، لأن الظلم لا يولّد إلا الألم، حتى لمن ارتكبه.
ونرى فايزة أحمد، بصوتها القوي، غنت "يا قلبي يا قلبي"، وهي واحدة من أغانيها التي تحدثت فيها عن الظلم في العلاقات الشخصية. تقول في الأغنية: "ليه يا قلبي ليه.. تتحمل الظلم"، وكأنها تنطق بلسان كل من تألم بسبب الظلم، مشيرة إلى أن التحمل والصبر لا يعني أن العدالة لن تتحقق يومًا.
هنا نقول من يظن أن الظلم هو طريق للهيمنة والسيطرة، يغفل عن أن الظلم هو أسرع طريق إلى السقوط، وهذا ما أكدتة الاغاني الخالدة التي تغنت بالظلم كانت دائمًا تحمل رسالة واضحة: أن من يتعدى على حقوق الآخرين، سيلقى مصيرًا مظلمًا،أم كلثوم في "الأطلال" غنت: "إذا ما طمحتُ إلى غايةٍ لبستُ المنى وخلعتُ الحذر"، لتعبر عن أن الظلم ليس فقط تعديًا على الآخرين، بل هو خروج عن حدود العدالة والأخلاق.
وفي أغنية "يا ظالمني"، تقول أم كلثوم: "يا ظالمني.. كفاية اللي جرى لي"، وهي تعبير عن الصرخة الداخلية لكل إنسان تعرض للظلم، مؤكدًا أن الظلم يولد الألم والانكسار. ومع ذلك، يبقى الإيمان بأن العدالة ستأتي، وأن الظالم لن يفلت من عقاب الدنيا أو الآخرة.
من يستمع لأغاني هؤلاء العمالقة يدرك أن العدل هو القيمة الأساسية التي تبني العلاقات السليمة وتحقق السلام الداخلي فنرى وردة الجزائرية في أغنيتها "لولا الملامة" تغني عن التمسك بالكرامة، حتى في وجه الظلم، قائلة: "لولا الملامة، يا هوى لولا الملامة". فهي ترسم صورة الشخص الذي، رغم كل ما تعرض له من ظلم، يتمسك بقيمه ولا يسمح للظلم أن يكسره.
أما محمد عبد الوهاب، فيعكس في أغنيته "الجندول" مفهوم الصراع بين الحق والباطل، وبين الظلم والعدالة، مؤكدًا أن كل ظلم له نهاية، مهما بدا قويًا أو مسيطرًا في لحظته.
هؤلاء العمالقة في أغانيهم، قد أكدوا إن الظلم سلاح ذو حدين. من يمارسه قد يشعر بالنصر المؤقت، لكنه سيكتشف في النهاية أن العدالة لا تغيب،كلمات الأغاني التي تغنت بالظلم تحمل في طياتها دروسًا لا يمكن تجاهلها: ما تقدمه للآخرين من خير أو شر سيعود إليك يومًا ما، لأن "كما تدين تدان".
إنة على مرالعصور القديمة أو الحديثة، تُثبت أن الظلم لا يمكن أن يستمر دون نهاية، قد يطول الظلم أحيانًا، وقد يبدو أن الظالم أفلت من العقاب، لكن العدالة تظل تلاحق كل من ارتكب جرائم ضد الإنسانية أو ظلم الأفراد، "كما تدين تدان"، هو قانون حياتي لا يخطئ، وهو درس لكل من يفكر في استخدام القوة أو السلطة على حساب حقوق الآخرين.