الدكتورة غادة صقر تكتب : الاعتراف بالجميل هزيمة!!

جاءتنى صديقة عزيزة، تحمل في ملامحها حزنًا دفينًا، وضيقًا واضحًا، وهمًّا أثقل صدرها، وقالت لي: "قدّمت لهم كل شيء، وقتي، جهدي، دعمي، ومع ذلك لم أسمع كلمة شكر واحدة!"
جلست معها طويلًا، هدّأتها، ربتُّ على قلبها، ووعدتها أن أفعل ما أجيده، أن أكتب، عن هؤلاء الذين لا يعرفون الشكر، ولا يعترفون بالجميل،وكأنهم خُلقوا بلا ضمير أو إحساس.
نعم، أكتب عن فئة لا تعرف إلا أن تأخذ، ثم تمضي في صمتٍ وقح، لا تنظر خلفها، ولا تهتم بمن منحها،أكتب عن الذين تتجمد على ألسنتهم أبسط كلمات الامتنان، وتتيبس في قلوبهم معاني الرقي والأدب.
نعم في زمنٍ اختلطت فيه القيم، وتبدلت فيه المبادئ، وانهارت فيه أبجديات الذوق الإنساني، طفت على السطح فئة غريبة، دخيلة، فاقدة لكل ما هو جميل في النفس البشرية، فئة لا تعرف للشكر طريقًا، ولا ترى في العرفان بالجميل إلا نوعًا من الضعف أو التنازل.
نحن لا نتحدث هنا عن مجرد سهوٍ عابر أو نسيانٍ مؤقت، بل عن "ثقافة مهملة"، بل الأصح "ثقافة مدفونة" تحت أنقاض الكِبر والجهل والأنانية.
هؤلاء الذين تتحدث معهم بكلمة طيبة، أو تمد لهم يد العون، أو تسدي لهم خدمة – كبيرة كانت أو صغيرة – فلا تسمع منهم "شكرًا"، ولا ترى في وجوههم إلا الجحود، وكأن ما قدمته لهم فرضٌ عليك، وكأنك خادمٌ في بلاطهم الملكي!
من أنتم؟ هل أنتم نتاج تربية لم تعرف معنى "الامتنان"؟ هل تربّيتم على موائد التعالي والتجاهل، لا موائد الأدب والتهذيب؟ أم أنكم مصابون بداء الكبرياء الأهوج، الذي يظن صاحبه أنه حين يقول "شكرًا" يقل من مقامه أو يفتقر؟
أين أنتم من حديث رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم: "من لا يشكر الناس لا يشكر الله"؟ أين أنتم من الإنسانية؟ من الذوق؟ من الأصل؟ من التربية؟ هل جفت قلوبكم إلى هذا الحد؟ هل تحجّرت مشاعركم وأصبحتم كالأصنام لا تهتز؟ هؤلاء لا يستحقون سوى الاحتقار، لا يستحقون مكانًا بين المهذبين ولا موقعًا في قلوب النبلاء، هم زبد الحياة، يطفو ويعلو قليلًا، لكن مكانه الطبيعي في مزبلة التاريخ،لأن من لا يشكر، لا يُذكر، ومن لا يعرف الفضل، لا يُنتظر منه خير.
رسالة إلى هؤلاء: احترموا أنفسكم أولًا، تعلموا كلمة "شكرًا" قبل أن تطالبوا باحترام الآخرين، فمن لا يقدّر، لا يُقدَّر. ومن يظن أن الناس عبيدٌ له، فهو عبدٌ لأوهامه وغبائه، نقول لهولاء إذا لم تكنوا قادرين على قول "شكرًا"، فلا تكنوا قادرين على طلب أي شيء من الناس، نقول لهولاء معدومي الذوق والإنسانية!" عبيد الكبرياء الأجوف هل الشكر في نظركم ضعف؟،والاعتراف بالجميل هزيمة!، نقول لهولاء مكانكم الطبيعي تحت أقدام من يقدّرون المعروف،فأنتم يا سادة الجحود وأمراء الوقاحة"لا تصلحون للصفوف الأولى، بل للتاريخ المهمل.
كاتبة المقال الدكتورة غادة صقر استاذ الاعلام بجامعة دمياط وعضو مجلس النواب السابق