المستشار محمد سليم يكتب : أزمة الرسوم القضائية: المتقاضون أولًا... صوت المحامين لا يجب تجاهله

في الأزمات، لا يكفي الصمت، ولا تجدي المسكنات، والخلافات فى وجهات النظرلابدان تأخذ مسارها الطبيعى بالتراجع والتفاوض ، وعندما تشتعل النيران لابد من تدخل سريع لاخمادها، وعندما يعترض جموع المحاميين على مستوى محافظات الجمهورية ويعلنون عن وقفات احتجاجية احتراما للدستور والقانون ، لابد ان نستمع اليهم ، لا ان نتركهم بهذة الصورة وكأنة لا توجد ازمة ، وعندما يتعلق الأمر بحق التقاضي، يصبح التراجع عن الأخطاء ضرورة لا تحتمل التأجيل.
ما شهدته محاكم مصر اليوم وأمس وقبل امس من وقفات احتجاجية لجموع المحامين في مختلف المحافظات، لم يكن مجرد حدث عابر أو خلاف محدود في وجهات النظر، بل كان صرخة مدوية دفاعًا عن حق المواطن في اللجوء إلى قاضيه الطبيعي دون عوائق مالية أو رسوم مفاجئة.
جاءت هذة الوقفات الاحتجاجية امتثالًا لقرارات الاجتماع المشترك بين أعضاء مجلس النقابة العامة ونقباء الفرعيات، برئاسة النقيب العام عبدالحليم علام
إن فرض رسوم جديدة تحت مسمى "مقابل خدمات مميكنة" من قبل مجلس رؤساء محاكم الاستئناف أثار غضبًا عارمًا داخل المجتمع القانوني، حيث اعتُبر القرار مخالفًا للدستور والقانون، ومحمّلًا المتقاضين، خاصة محدودي الدخل، أعباءً جديدة تزيد من صعوبة الوصول إلى العدالة، في ظل أوضاع اقتصادية بالغة القسوة.
مجلس نقابة المحامين برئاسة النقيب العام عبد الحليم علام، ومعه نقباء الفرعيات، تحركوا بمسؤولية ووطنية، فقرروا التصعيد إلى رئاسة الجمهورية، ومقاطعة كافة خزائن المحاكم على مستوى الجمهورية، ومخاطبة كافة الجهات التنفيذية والتشريعية لعرض أبعاد الأزمة الدستورية والمجتمعية الخطيرة.
ولم يقف البرلمان صامتًا، إذ أعلن عدد كبير من النواب فى مقدمتهم أحمد عبد السلام قورة ، وسليمان وهدان ،و أشرف أمين ،وعلاء سليمان ،و محمود قاسم، وسناء السعيد تضامنهم الصريح مع نقابة المحامين، مؤكدين أن الدفاع عن حق التقاضي هو دفاع عن الدستور ذاته.
كما جاء الدعم السياسي للحراك القانوني من الأحزاب الوطنية، حيث وجّه حزب الوفد برئاسة الدكتور عبدالسند يمامة رسالة إلى رئيس الجمهورية، أكد خلالها ضرورة الحفاظ على الحق الدستوري للمواطنين في التقاضي، بينما أعلن محمد مجدي عفيفي، رئيس حزب الأحرار الدستوريين، تضامنه الكامل مع موقف المحامين، مشيرًا إلى أن فرض رسوم مميكنة يحرم الفقراء من الدفاع عن أنفسهم،كما أعلن حزب الوعي عن تضامنه مع نقابة المحاميين ، ومعلناً عن بالغ القلق إزاء ما ترتب على هذا القرار من تداعيات سلبية تمس مرفق العدالة وتمس حقوق المواطنين والمحامين على حد سواء، كما اصدر الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، بيانًا نشره على صفحته الرسمية مؤكداً من خلالة ، أن قضية الرسوم القضائيّة ليست شأناً خاصاً بالمحاكم، أو المحامين، بل تمس، أبسط حقوق المواطن القانونية والدستورية، ذلك أن من أوجب واجبات الدولة أن تيسر سبل التقاضي، في أن يكون حقاً متاحاً ومباحاً لا يمثل عبئًا على المواطنين، إنّ العدالة ليست خدمة مدفوعة الاجر، أو سلعة تقدمها المحاكم للجمهور، تتغالى رسومها فلا يقدر عليها إلا من استطاع إلى تكاليفها سبيلاً، كما أعلن أعلن حزب الدستور تضامنه الكامل مع جموع المحامين المصريين في رفضهم قرار رفع رسوم التقاضي، مؤكدًا أن هذا القرار يُهدد مبدأ تكافؤ الفرص في الوصول إلى العدالة، ويجعلها حِكرًا على القادرين ماديًا فقط
إن أزمة الرسوم القضائية اليوم ليست صراعًا مع مؤسسة القضاء التي نحترمها جميعًا، وإنما هي دفاع عن حق دستوري أصيل لكل مواطن، فالعدالة لا تتحقق حين تكون مُكلفة على الفقراء، ولا يعلو فوق حق التقاضي أي اعتبار مهما كانت مبرراته.
إن صوت المحامين اليوم، هو صوت كل مواطن، ورسالتهم كانت ولا تزال واضحة، لا مساس بحق التقاضي، ولا مساومة على حقوق المواطن أمام المحاكم.
وإذا كانت مصر قد بنت دولتها الحديثة على مبدأ أن "العدالة أساس الملك"، فإن الحفاظ على سهولة الوصول إلى هذه العدالة هو صمام الأمان لاستقرار المجتمع وقوة الدولة.
كاتب المقال المستشار محمد سليم الامين العام المساعد للتنظيم بحزب الجبهة الوطنية وعضو المحكمة العربية لفض المنازعات وعضو اللجنة الدستورية والتشريعية بمجلس النواب السابق