من قلب السُنة .. النبي يضع أرقى مبادئ حقوق العمال .

في يومهم العالمى .. هكذا صان النبي حقوق العمال و أوصى بهم خيراً
بقلم .. إيمي حمدي سراج
عيد العمال ليس مجرد مناسبة احتفالية، بل هو تذكير بمكانة العمل وأهمية العامل في بناء المجتمعات. وقد شُرِعت الإجارة والعمالة لحاجة الناس إليها، لاختلاف مهاراتهم وتخصصاتهم، بما يحقق التعاون والتكامل في شؤون الحياة. وجاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ متممًا لمكارم الأخلاق، مصلحًا لأحوال الناس، محققًا للمصالح فيما بينهم، فدلّ الأمة على ما يكفل حقوق الجميع، ويضمن العدالة في المعاملة.
وقد أراد الله ـ سبحانه ـ بحكمته أن يكون الناس متفاوتين في أرزاقهم، فجعل الغني بحاجة إلى الفقير، والفقير بحاجة إلى الغني، ليقوم كل بدوره وتتحرك عجلة الحياة. يقول تعالى:
{نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا} [الزخرف: 32].
وعندئذ، إذا قام كلٌّ بحقه وأدى واجبه، سادت المحبة، وعمّ الانسجام، وازدهر المجتمع، مصداقًا لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
"مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" [رواه البخاري].
وقد أولى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ اهتمامًا بالغًا بالعامل، ورفع منزلته، ودعا أصحاب العمل إلى معاملته بإحسان، والتخفيف عنه، وعدم تحميله ما لا يطيق. بل اعتبره أخًا في الإنسانية، فقال:
"إخوانكم خَوَلكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم" [رواه البخاري].
ومن أبرز وصاياه في هذا الباب، تأكيده على ضرورة إعطاء الأجير أجره دون تأخير، فقال:
"أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه" [رواه ابن ماجه]،
وفي ذلك حماية لحقوق العمال وسد لباب الظلم، حتى لا يكون صاحب العمل خصيمًا أمام الله يوم القيامة. فقد ورد عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قوله:
"قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره" [رواه البخاري].
كما نهى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن أي نوع من أنواع الاستغلال أو الظلم، مهما كان بسيطًا، فعن أبي أمامة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:
"من اقتطع حقّ مسلم بيمينه، حرّم الله عليه الجنة، وأوجب له النار"، قيل: وإن كان شيئًا يسيرًا؟ قال:
"وإن كان قضيبًا من أراك" [رواه مسلم].
وحث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الشكر والتقدير للعامل، فشكر الناس من شكر الله، كما في الحديث:
"لا يشكر الله من لا يشكر الناس" [رواه أبو داود].
كما أكد على مبدأ عظيم بقوله:
"لا ضرر ولا ضرار" [رواه ابن ماجه]،
وهو مبدأ يتفوق على كثير من التشريعات الوضعية، ويؤسس لعلاقات قائمة على احترام الحقوق والعدل والرحمة.
وروى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم صخرة في الغار، وكان من بينهم رجل حفظ أجر العامل حتى نَمَتْه الأيام، فلما عاد الأجير أعطاه كل ما نتج عن أجره من مال، وكان ذلك من الأعمال الصالحة التي فرّج الله بها الكرب.
وقد سبق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جميع المواثيق والنظم الحديثة في إرساء قواعد العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية للعامل، مؤكدًا أن الإتقان في العمل مطلوب، كما في قوله:
"إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه" [رواه الطبراني].
فالمسلم مأمور بإحسان عمله، وصاحب العمل مأمور بأداء حقوق العامل دون تأخير أو ظلم أو استغلال، في جو من التقدير والرحمة.
وهكذا نرى أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يكن فقط نبي رحمة، بل كان واضعًا لأعظم الأسس التي تحفظ للإنسان كرامته وحقوقه، مهما كانت مكانته الاجتماعية. فحقوق العمال ليست منّة من أحد، بل هي واجب شرعي وإنساني لا يجوز التهاون فيه. وفي زمن طغت فيه المادة، وتراجع فيه تقدير الجهود، يبقى هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو النور الذي يهتدي به أصحاب الأعمال، ليقيموا العدل، ويصونوا الكرامة، ويكونوا سببًا في بناء مجتمع متراحم، متكافل، يحترم فيه كل فرد، مهما كان موقعه.