ممدوح عيد يكتب : قلبي عند الكعبة وإن كنت بعيدًا

هناك أشواق لا تُروى، وحنين لا يهدأ…
وهناك مكان، كلما ذُكر، اضطرب له القلب وسالت له العيون.
ذاك هو بيت الله الحرام، وتلك هي الكعبة، التي يسكنها قلبي وإن كانت قدماي بعيدة.
حين يُذكر الحج، لا أراه مجرد فريضة، بل أراه لقاء العمر.
موعدٌ بين العبد والرب، في ساحة لا تُشبه ساحة، حيث تُغسل الذنوب بالدموع، وتُكسر القيود بين الله وعبده، وتُولد الأرواح من جديد.
قلبي هناك، منذ أن سمعت أول مرة: "لبيك اللهم لبيك…"
كأن شيئًا انكسر بداخلي، وأعاد ترتيب كل فوضى فيّ.
فالحج ليس طريقًا تمشيه بالأقدام، بل شوقًا تسلكه الأرواح، وعهدًا تقطعه القلوب في سجدة، أو دمعة، أو دعاء في جوف الليل.
أشتاق إلى الطواف، لا لأطوف فقط، بل لأشعر أنني أذوب شيئًا فشيئًا في نور الله،
أشتاق إلى الوقوف بعرفات، حيث لا شيء بيني وبين ربي، سوى السماء والدموع.
أشتاق أن أرمي عني همومي مع الجمرات، أن أركض في المسعى، لا خلف دنيا، بل خلف رحمة.
قلبي عند الكعبة، لأن فيها كل ما فقدته هنا…
الطمأنينة، والخفة، والصدق، والبكاء بلا خجل.
فيها شعور لا يُشبه شيئًا على الأرض، كأنك عدت إلى حضن أمك بعد غياب طويل، لكنك تعود هذه المرة إلى حضن الله.
كثيرون ظنوا أن الاشتياق للحج حكرٌ على من لم يحج،
لكن الحقيقة أن من ذاق طعمه، اشتد شوقه أكثر…
لأنهم عرفوا، وذاقوا، ولم يعد بمقدورهم أن ينسوا.
وقد لا أملك الآن ما يأخذني إلى هناك،
لكنني أملك قلبًا يُصلّي هناك كل يوم،
وقلبًا يحجّ كل ليلة في منامه،
وقلبًا لا يكفّ عن قول: "يا رب، لا تحرمني، وإن كتبت لي الموت، فاجعل آخر أيامي في رحابك."
قلبي عند الكعبة، وإن كنت بعيدًا…
وسأظل أشتاق، وأدعو، وأبكي، حتى تكتب لي الوصول…
أو تُثيبني على الشوق، كما تُثيب الحجيج على السعي والطواف.
كاتب المقال : مدير تحرير جريدة الجمهورية