الشيخ محمدالسيدمتولى يكتب : فضائل يوم عرفة المبارك

من عظيم نِعَم الله علينا أنه سبحانه وتعالى رزقنا بمواسم للطاعات تزداد فيها الحسنات بزيادة الطاعات وترفع فيها الدرجات بكثرة القربات لله رب الأرض والسماوات ومن النفحات العظيمة التى أنعم الله تعالى بها علينا يوم عرفة المبارك الذى يحمل فضائل جمة حري بالمسلم أن يغتنمها فى طاعة الله عز وجل .
يوم عرفة هو اليوم التاسع من شهر ذى الحجة المبارك أى ضمن الأيام العشر الأوائل من هذا الشهر والتى قد أقسم الله تعالى بها في القرآن الكريم قال تعالى ( وَالْفَجْرِ (١) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (٢) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (٣) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (٤) هَلْ فِي ذَٰلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ (٥) سورة الفجر .
الليالي العشر : المراد بها عشر ذي الحجة . كما قاله ابن عباس ، وابن الزبير ، ومجاهد ، وغير واحد من السلف والخلف .
وقد جاء فضل هذه الأيام المباركة في السنة المطهرة على لسان خير الخلق صلى الله عليه وسلم :
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ قَالَ : وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ " رواه أبو داود وغيره وأصله في البخاري مرفوعاً عن ابن عباس رضي الله عنهما .
فهذا اليوم من جملة الأيام التى خصها الله تعالى وخصها النبى صلى الله عليه وسلم بالفضل دون بقية الأيام بل يُضاف إليه أنه خُصَّ بخصائص ومميزات دون بقية الأيام حتى العشر الأوائل من شهر ذى الحجة لذلك وجب علينا اغتنام هذه الفرصة العظيمة حتى ننال عظيم الأجر والثواب من خلال هذه النفحة الربانية .
** ما سبب تسمية يوم عرفة بهذا الاسم :
هناك عدة أقوال لتسمية عرفة بهذا الاسم، فقد قيل بأنها سُمِّيَتْ بذلك لأن آدم عرف حواء فيها، وقيل لأن جبريل عرَّف إبراهيم فيها المناسك، وقيل لتعارف الناس فيها، وقيل بأن الكلمة مأخوذة من العَرْف وهو الطيب .
** ويوم عرفة ليس كبقية الأيام لأن فضائله عظيمه منها :
أنه يوم إكمال الدين وإتمام النعمة : عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، " أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ ، قَالَ لَهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا ، قَالَ : أَيُّ آيَةٍ ؟ قَالَ : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا سورة المائدة آية (٣) ، قَالَ عُمَرُ : قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ " رواه البخاري .
أنه يوم عيد لأهل الموقف فالنبى صلى الله عليه وسلم سماه يوم عيد :
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ " رواه الترمذي وغيره .
يوم أقسم الله تعالى به في القرآن الكريم والله تعالى إذا أقسم بشىء فإنه لا يُقسم إلا بعظيم :
قال تعالى ( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (١) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (٢) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (٣) سورة البروج .
فى الترمذي وغيره عَن أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ : يَوْمُ الْقِيَامَةِ ، وَالْيَوْمُ الْمَشْهُودُ : يَوْمُ عَرَفَةَ ، وَالشَّاهِدُ : يَوْمُ الْجُمُعَةِ ، وَمَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَلَا غَرَبَتْ عَلَى يَوْمٍ أَفْضَلَ مِنْهُ ، فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يَدْعُو اللَّهَ بِخَيْرٍ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ ، وَلَا يَسْتَعِيذُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْهُ " . قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ .
صيام يوم عرفة يكفر سنتين :
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ مَاضِيَةً وَمُسْتَقْبَلَةً ، وَصَوْمُ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ سَنَةً مَاضِيَةً " رواه أحمد وأصله في مسلم .
وصيام يوم عرفة سنة لغير الحاج ، فلم يترتب فى حق الحاج صيام يوم عرفة لما فيه من المشقة والتعب ولأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يكن صائما فى يوم عرفة وهو حاج .
عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ ، " أَنَّ نَاسًا اخْتَلَفُوا عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صَوْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : بَعْضُهُمْ هُوَ صَائِمٌ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَيْسَ بِصَائِمٍ ، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ فَشَرِبَهُ " رواه البخاري .
فالنبى صلى الله عليه وسلم ترك صيام يوم عرفة وهو محرم .
يوم عرفة هو اليوم الذى أخذ الله فيه الميثاق على جميع ذرية آدم عليه السلام :
قال تعالى ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ (١٧٢) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ ۖ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (١٧٣) وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (١٧٤) سورة الأعراف .
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " أَخَذَ اللَّهُ الْمِيثَاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ بِنَعْمَانَ يَعْنِي : عَرَفَةَ , فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا ، فَنَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالذَّرِّ ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ قِبَلًا ، قَالَ : أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ سورة الأعراف آية ١٧٢ - ١٧٣ " رواه أحمد في المسند .
أكثر يوم يعتق الله فيه الرقاب من النار :
قَالَت عَائِشَةُ : إِنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ ، فَيَقُولُ : مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ " رواه مسلم .
يوم عُرف بيوم المغفرة والمباهاة فإن الله تعالى يباهي ملائكته بأهل عرفات :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ : " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي مَلَائِكَتَهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِأَهْلِ عَرَفَةَ ، فَيَقُولُ : انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي ، أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا "
رواه أحمد وغيره .
عَن أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه قال : وقفَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بعرفاتٍ وقد كادتِ الشَّمسُ أن تغرب فقالَ يا بلالُ أنصِتِ النَّاسَ فقالَ بلالُ أنصِتوا لرسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فنَصتَ النَّاسُ فقالَ معاشرَ النَّاسِ أتاني جبريلُ آنفًا وأقرأَني من ربِّيَ السَّلامَ وقالَ إنَّ اللَّهَ عز وجل غفرَ لأَهْلِ عرفاتٍ وأَهْلِ المشعرِ وضمنَ عنهمُ التَّبعاتِ فقامَ عمرُ بنُ الخطَّابِ فقالَ يا رسولَ اللَّهِ هذا لَنا خاصة قالَ هذا لَكُم ولمن أتى من بعدكم إلى يومِ القيامةِ فقالَ عمرُ كثُرَ واللَّه خيرُ اللَّهِ وطابَ ) أخرجه ابن المبارك كما فى الترغيب والترهيب للمنذرى .
من خلال الأدلة والنصوص الواردة في فضل هذا اليوم المبارك والذى هو بمثابة فرصة لا بد من اغتنامها حتى ننال عظيم الأجر والثواب من الله تعالى .
عن محمد بن مسلمة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن لربِّكم في أيامِ دهرِكم نفحاتٍ فتعرضوا لها لعل أحدَكم أن يصيبَه منها نفحةٌ لا يشقَى بعدَها أبدًا ) رواه الطبراني في الأوسط والهيثمى فى مجمع الزوائد .
كيف أغتنم يوم عرفة ؟
** اغتنام هذا اليوم المبارك بصيامه هذا لغير الحاج المحرم ثم بصلاة الصبح في جماعة ثم تقعد تذكر الله تعالى حتى تشرق الشمس ثم تصلى ركعتى الضحى يُكتب لك أجر حجة وعمرة تامة تامة تامة .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ " قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ " رواه الترمذي وغيره .
وكذلك الذكر المطلق والمقيد بالتهليل والتحميد والتكبير ابتهاجا بهذا اليوم وبيوم النحر ( عيد الأضحى المبارك )
وكذلك تُصلى الفروض فى أوقاتها جماعة وتقرأ القرآن الكريم وتتدبره وتكثر فيه من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكثر فيه من الدعاء وخير الدعاء دعاء يوم عرفة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم .
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ , لَهُ الْمُلْكُ , وَلَهُ الْحَمْدُ , وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " رواه الترمذي وغيره .
أكثر من قوله ( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ , لَهُ الْمُلْكُ , وَلَهُ الْحَمْدُ , وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) كما في الحديث الشريف .
دعاء يوم عرفة مستجاب فاغتنم فرصة استجابة الدعاء .
تصدق فى هذا اليوم المبارك بما يفتح الله به عليك .
بعد هذا الفضل العظيم الذى يتحقق فى هذا اليوم المبارك العاقل هو الذى لا يضيع هذه الفرص الثمينة .
لا شحناء ولا عداوة ولا بغضاء بين المسلمين لأن هذه الأمور تؤخر رفع العمل الصالح وقد تُبطله .
نسأل الله تعالى أن يكتب لنا ثواب يوم عرفة صيامه وقيامه وذِكره وقراءة القرآن الكريم فيه والدعاء والصدقة والتحميد والتكبير والتهليل .
جعلنى الله تعالى وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه وأن يبلغنا جميعاً من الهَدى أكمله وأن يتقبل منا ومنكم جميعاً يا رب العالمين
الكاتب
امام وخطيب قادة فكر بوزارة الأوقاف
وعضو لجنة الدعوة الإسلامية بمحافظة الشرقية .