”بوابة الدولة” تنعى رحيل فارس التموين الدكتور علي المصيلحي بعد مسيرة وطنية مشرفة

بقلوبٍ يعتصرها الألم، وعيون تفيض بالحزن، تنعى أسرة تحرير بوابة الدولة الإخبارية، يتقدمهم الكاتب الصحفي صالح شلبي، رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير، والكاتبة الصحفية فاطمة الدالي، مدير تحرير الموقع، ببالغ الأسى وعميق الحزن، الدكتور علي المصيلحي، وزير التموين والتجارة الداخلية، الذي انتقل إلى جوار ربه، بعد رحلة طويلة من العطاء، والإنجاز، والتفاني في خدمة الوطن والمواطن.
لقد ودّعت مصر اليوم رجلاً من رجالها الأوفياء، ورمزًا من رموز الدولة الذين خلدوا أسماءهم في سجل الوطنية بأحرف من ذهب. رحل الدكتور علي المصيلحي، لكنه ترك خلفه إرثًا عظيمًا من الإنجازات والعمل الدؤوب في كل موقع تقلده، وذكرى طيبة في قلوب كل من عرفوه، أو عملوا معه، أو لمسوا أثر جهوده في حياتهم اليومية.
ولد الدكتور علي المصيلحي ليكون عالمًا في مجاله، فتميز في دراسته وتفوق علميًا حتى حصل على الدكتوراه من فرنسا، وعاد إلى مصر وهو يحمل في قلبه حلمًا بأن يسهم في بناء وطنه بالعلم والعمل. شغل العديد من المناصب الأكاديمية الرفيعة، وكان أستاذًا قديرًا في معهد بحوث الإلكترونيات، ثم انتقل إلى ميادين الخدمة العامة حيث بدأت رحلة عطائه للوطن تتجلى بأبهى صورها.
ومنذ أن تولى مسؤولية وزارة التضامن الاجتماعي ثم وزارة التموين، لم يتوانَ لحظة عن أداء واجبه، واضعًا مصلحة المواطن البسيط نُصب عينيه، ومدافعًا شرسًا عن حق كل أسرة مصرية في حياة كريمة. لم يكن مجرد مسؤول، بل كان إنسانًا يشعر بنبض الناس، يلمس احتياجاتهم، ويترجمها إلى قرارات وخطط وبرامج ملموسة على أرض الواقع.
عُرف عن الدكتور علي المصيلحي انضباطه الشديد، وإيمانه العميق بأن الإدارة الجادة هي أساس بناء الدول. خاض معارك الإصلاح الإداري والاقتصادي في واحدة من أصعب الملفات، وهي "التموين والتجارة الداخلية"، ونجح في أن يحوّل الوزارة إلى منظومة أكثر كفاءة وعدالة، وأن يحافظ على استقرار الأمن الغذائي للمصريين، خاصة في أوقات الأزمات التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة.
أطلق المصيلحي العديد من المبادرات التي طالت ملايين المصريين، من ضبط منظومة الدعم، إلى تحسين جودة رغيف الخبز، إلى توفير السلع التموينية بشكل منتظم وعادل. لم يكن يقبل التقصير، وكان يتابع بنفسه أدق التفاصيل، ويدفع بكفاءة نادرة نحو تطوير الأسواق، وضبط الأسعار، ومواجهة الغلاء، والاحتكار، بكل ما أوتي من قوة.
لم يكن رحيل الدكتور علي المصيلحي مجرد فقد لمسؤول، بل هو غياب لمدرسة كاملة في الالتزام، والإخلاص، والعمل العام. مدرسة تعلّم منها كثير من القيادات كيف يكون العمل من أجل الناس، بلا ضجيج، وبلا رياء، بل بصدق الأداء، وعمق الإيمان بأن من يعمل للناس، لا يضيع أجره عند الله ولا عند التاريخ.
لقد كان، رحمه الله، صوتًا هادئًا عميقًا وسط ضجيج المصالح، وكان وجهًا مشرفًا للدولة المصرية في كل المحافل، يشع هيبة ووقارًا وعلمًا وأمانة. كان بسيطًا في تعامله، جادًا في قراراته، شفافًا في إدارته، محبوبًا من مرؤوسيه، محترمًا من زملائه، ومحل تقدير من القيادة السياسية والشعب.
وها هو اليوم يترجل فارسًا من فرسان الوطن، بعد أن أدى الأمانة كاملة، وترك لنا جميعًا درسًا بليغًا في حب مصر، والعمل لها حتى آخر نفس.
نسأل الله تعالى أن يغفر له، ويرحمه رحمة واسعة، وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يلهم أسرته الكريمة ومحبيه وزملاءه الصبر والسلوان.
"إنا لله وإنا إليه راجعون"