النائب أحمد قورة يكتب: المتحف الكبير رسالة مصرية تتجسد فيها معاني الكبرياء الوطني
هناك لحظات لا تُقاس بالزمن، بل تُقاس بما تتركه في الوجدان الإنساني من انبهار ودهشة وفخر. ومصر، كعادتها منذ فجر الحضارة، تُطلّ من جديد على العالم بحدث يليق بتاريخها العريق وعزيمتها التي لا تعرف المستحيل.
افتتاح المتحف المصري الكبير، حدث ليس مجرد افتتاح صرح أثري، بل هو رسالة مصرية خالصة إلى البشرية كلها بأن هذا الوطن لا يزال يصنع التاريخ، ولا يزال يُبدع في تقديم أعظم ما تركه الإنسان على مرّ العصور.
حين يقف أكثر من 42 ملكًا ورئيس دولة ورئيس وزراء على أرض مصر، ويشارك أكثر من 37 منظمة دولية في هذا الاحتفال الأسطوري، وحين تُوجّه الدعوة إلى أكثر من 150 مسؤولًا دوليًا من قِبل الرئيس عبد الفتاح السيسي، ندرك تمامًا أننا أمام حدث غير مسبوق في التاريخ الحديث، بل أمام لحظة تعيد إلى الأذهان افتتاح قناة السويس قبل 157 عامًا، غير أن الفرق هنا أن العالم كله أصبح شريكًا وشاهدًا على هذه النهضة الحضارية الجديدة.
لم يعد المتحف المصري الكبير مشروعًا معماريًا فحسب، بل أصبح رمزًا لعزيمة دولة قررت أن تكتب فصلًا جديدًا في سجل المجد المصري، فمنذ أن وضع الرئيس السيسي حجر الأساس وحتى لحظة الافتتاح، ظلّ المشروع تحت المتابعة الدقيقة من الدولة بكل مؤسساتها، ليخرج في أبهى صورة تليق بحضارة مصر الممتدة لأكثر من سبعة آلاف عام.
إنها لحظة تتجسد فيها معاني الكبرياء الوطني؛ حين تُنقل صور الافتتاح عبر 450 قناة تلفزيونية على الهواء مباشرة إلى كل بيت في العالم، وحين تُضاء الميادين الكبرى في نيويورك وباريس وطوكيو بهذا الحدث المصري الفريد، وحين تُعلن متاحف العالم الكبرى — مثل اللوفر في فرنسا والمتحف البريطاني في لندن — احتفالها بالمتحف المصري الكبير في التوقيت نفسه، فذلك هو الاعتراف الأممي بعظمة مصر والمصريين.
الرسالة واضحة: مصر لا تستعرض ماضيها، بل تؤسس لمستقبل يليق بتاريخها. فالمتحف المصري الكبير ليس فقط بوابة لحضارة الفراعنة، بل هو منصة عالمية للتفاعل الثقافي، ومركز إشعاع حضاري يجمع بين عبقرية الماضي وروح العصر الرقمي. هنا تتعانق التكنولوجيا مع التراث، ليخرج الزائر بانطباع أنه لم يزر متحفًا، بل عاش تجربة حضارية متكاملة تُخاطب العقل والوجدان معًا.
الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي جعل من “الهوية المصرية” محورًا رئيسيًا في مشروعه الوطني، يُرسل اليوم من خلال هذا الافتتاح رسالة إلى العالم، أن مصر التي حمت التاريخ، لا تزال قادرة على صناعته، وأن المصريين الذين بنوا الأهرامات، قادرون اليوم على بناء صرح حضاري حديث، يليق بمكانتهم بين الأمم.
ولعل ما يميز هذا الحدث أنه لم يكن وليد الصدفة، بل هو ثمرة رؤية استراتيجية شاملة ترتكز على ثلاثة محاور، استعادة الهوية، دعم السياحة الثقافية، وتوظيف التكنولوجيا الحديثة لخدمة التراث. فكل قطعة أثرية داخل المتحف تحكي قصة مصر القديمة، وكل شاشة رقمية تُعيد رواية التاريخ بطريقة تفاعلية تجذب أجيال المستقبل.
ما يحدث في “المتحف المصري الكبير” ليس فقط تكريمًا للماضي، بل استثمار في المستقبل. فالمتحف سيحوّل منطقة الأهرامات إلى أعظم مركز ثقافي وسياحي في العالم، وسيفتح آفاقًا جديدة للاقتصاد الوطني عبر تنشيط السياحة واستقطاب ملايين الزوار سنويًا.
وفي قلب كل هذا، يقف المصري البسيط ، العامل والمهندس والفني، الذي سهر الليالي ليخرج هذا الإنجاز إلى النور. هؤلاء هم أبطال الظل الذين لم تذكرهم الكاميرات، لكن بصماتهم محفورة في كل حجر من أحجار هذا الصرح العظيم.
إنه حدث يتجاوز حدود الجغرافيا والتاريخ. إنه العهد الجديد بين مصر وحضارتها. فكما كانت منبع الحضارة، فهي اليوم مركز إشعاعها الحديث. وكما قال أحد الزائرين الأجانب في وصفه لهذا الإنجاز: "كل ما قرأناه عن المصريين القدماء أصبح الآن حقيقة ماثلة أمام أعيننا، لكن بروح مصر الحديثة".
وهكذا، تقف مصر اليوم شامخة كما كانت دائمًا، تقول للعالم بلغة القوة والفن والدهشة، نحن المصريون.. صُنّاع التاريخ وحُماته، نكتب مجدنا بأيدينا، ونُهديه للبشرية كلها.





















