تحفة نادرة في قلب القاهرة التاريخية… مسجد كعب الأحبار يكشف أسرار ٧ قرون من الروحانيات
في قلب السيدة زينب، حيث تختلط رائحة التاريخ بنبض الشوارع الضيقة وحكايات الأولياء، يقف مسجد كعب الأحبار شامخًا منذ عام 714 هجرية، شاهدًا على جمال العمارة الإسلامية وروح القاهرة القديمة التي لا تنطفئ. ورغم صِغَر مساحته، يبقى هذا المسجد أحد الجواهر المخفية في شارع الناصرية، أقدم شوارع الحي المنسوبة للسلطان الناصر محمد بن قلاوون.
المسجد الذي بُني في الحقبة المملوكية يحمل طابعًا معماريًا بديعًا؛ سقف مزخرف بحرفية مدهشة، وأعمدة ضخمة تحمل عبق القرون الماضية، وأسفل مقامه بئر مياه مغطى من قِبل الآثار، تتناثر حوله نقوش فرعونية وعبرية تزيد المكان غموضًا ودهشة. ومع ذلك، يواجه المسجد إهمالًا واضحًا بعدما بدأت الملوحة تنال من جدرانه دون تدخل يُذكر للترميم.
ورغم بساطته، يجذب مسجد كعب الأحبار زوّاره من مختلف الجنسيات، بينهم يهود قدموا خصيصًا لرؤية مكان يرتبط تاريخيًا بشخصية يُجلّها بعضهم. ويؤكد أهالي السيدة زينب أن زيارات اليهود للمسجد لم تنقطع خلال السنوات الماضية.
ويُرجع المؤرخون المسجد إلى التابعي الجليل أبو إسحاق الحميري المعروف بـ"كعب الأحبار"، أحد كبار علماء اليهود في اليمن قبل إسلامه، والذي اختلفت المصادر حول زمن دخوله الإسلام، بين عصر الرسول والخليفتين أبي بكر وعمر. جاء كعب إلى المدينة في عهد عمر بن الخطاب، وعُرف بعلمه الواسع ورواياته في كتب السيرة.
رحل كعب عن الدنيا في حمص سنة 32 هـ عن عمر ناهز 104 أعوام، لكن المصريين – كما هي عادتهم في الاحتفاء بالصالحين – أقاموا له مقامًا وضريحًا في شارع الناصرية تخليدًا لسيرته وتعلقًا بمحبة الرجل لمصر، حيث قال عنها: "من أراد أن ينظر إلى شبه الجنة فلينظر إلى أرض مصر".
وتروي كتب التراث أن كعبًا كان يستشعر قدسية أرض المقطم، حتى إنه أوصى عند وفاته بفرش تراب منه تحت جنبه في قبره.
ورغم مرور أكثر من سبعمائة عام على بناء المسجد، ما زالت جدرانه تروي قصصًا عن القاهرة التي لا تنام، وعن زوار يبحثون عن البركة، ومحبين يفتشون في تفاصيله عن نافذة تطل على زمن آخر… زمن يُشبه الجنة كما وصفه كعب الأحبار.



















